الأحد، 22 يونيو 2014

جدير بالقراءة - جابر عصفور موظف يمارس التنوير الانتقائي #Egypt

فصل المقال: عصفور لا يمثل الحرية ولا الثورة ولا المستقبل.

سعد القرش

استدعاء مواقف عصفور هدفه معرفة سيكولوجية الوزير الجديد للثقافة. في لحظات ضعفه وجب الصمت ولكن المنصب يمنحه قوة تكفيه أن يصمد أمام اختبار الماضي وأسئلته.
العرب سعد القرش [نُشر في 20/06/2014، العدد: 9595، ص(9)]
سأتجنب الإشارة إلى حق أي كاتب في اختياره خدمة السيدة الأولى، ثم السيدة الأولى التالية، سلوك لا يليق بمثقف، ويخص التحليل النفسي، في تفسير الجوع التاريخي للسلطة أو العمل في ظلالها. في عصور المدّ، يؤمن مثقف مثل رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وطه حسين بأن لديه مشروعا حضاريا يصعب إنجازه بعيدا عن السلطة. وفي عصور التراجع لا يصح أن يخدع المثقف نفسه وغيره بإمكانية الإصلاح من داخل سلطة لا تؤمن بالبناء. أنور السادات «استخدم» مثقفين وإسلامجية في حربه على اليسار، وحسني مبارك «استخدم» مثقفين في صراع مع إرهاب الإسلامجية. حرب محسوبة، والمثقف فيها ترس لا يجتهد، بل ينتظر إشارة لخوض معارك يحددها له النظام.
استدعاء بعض مواقف الدكتور جابر عصفور هدفه معرفة سيكولوجية الوزير الجديد للثقافة في مصر. في لحظات ضعفه واستضعافه وجب الصمت، ولكن المنصب الآن يمنحه قوة تكفيه، على الأقل، أن يصمد أمام اختبار الماضي وأسئلته.
أين يقف من قضية الحرية التي لا تحتمل وجهات نظر، فمن الإهانة أن يكون المثقف أسدا في فيلم عن الحرية من إخراج السلطة، ثم يأخذ المثقف نفسه دور الشيطان الأخرس في فيلم آخر عن الحرية أيضا.
كنت شاهدا على مؤتمر (كتاب في جريدة)، في نوفمبر 2004 بمدينة شرم الشيخ، واستعرض عصفور في بحث عنوانه «حرية الفكر والإبداع والنشر» تصاعد القمع وضحاياه من المفكرين، والأعمال التي تعرضت للمصادرة.. إلا قليلا. هذا القليل جعل عصفور يميل بعض الميل، منطلقا من تمتعه بضمير نقدي انتقائي. توقف عند أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر”، في صيف 2000، وقد انتهت “لتبرز الدور الذي تحول إليه مجمع البحوث الإسلامية، وتحوله إلى محكمة تفتيش جديدة، لا تتردد في إصدار أحكام التكفير ضمنا أو صراحة».
عصفور، الرجل الثاني في وزارة الثقافة، تجاهل أزمة «الروايات الثلاث»، في يناير 2001، وبطلها وزير الثقافة فاروق حسني شخصيا، إذ استيقظ الوزير مبكرا، على غير عادة الفنانين التشكيليين، وفاجأنا بالظهور في التلفزيون، وقدم بلاغا عن ثلاث روايات أصدرتها هيئة قصور الثقافة، وأعلن مصادرتها، وإقالة رئيس الهيئة علي أبو شادي، ورئيس تحرير السلسلة محمد البساطي، وقال الوزير: «هذه معركة وحرب للدفاع عن أعراف المجتمع وحرماته». ولم يجرؤ الموظف الذي يمارس التنوير الانتقائي على التطرق لهذه القضية، في بحث علمي مقدم لمؤتمر ثقافي مغلق تقريبا على المشاركين، بعيدا عن الصحافة والجمهور.
راوغ جابر «الموظف» حين تعلق الأمر بالوزير، ثم توارى جابر «الوزير» في بدايات الثورة حين كان المتهم حسني مبارك رئيس الجمهورية.
قبل منحدر نظام مبارك بقليل، أغسطس 2010، كان جابر في ظلال سلطة الصاعد بقوة جمال مبارك، في صحبة «مثقفين» وكتبة، قيل إنهم يبحثون مستقبل الثقافة. وفي 30 سبتمبر 2010 كان ضمن 11 قابلهم مبارك، ثم كتبوا عن شبابه الدائم، وبشرنا أحدهم بأن «مصر في بعث جديد».
بعد التمكن من اقتحام ميدان التحرير، مساء جمعة الغضب 28 يناير 2011، سمعت صوت عصفور من تلفزيون مقهى قريب. تجاهل وحشية الشرطة، ولم يدافع عن براءة الثوار، ونبل الثورة، وعدالة مطالب الشعب، وقال إنه مطمئن على الوطن في ظل الرئيس، ولكن الحكومة أخطأت «وخطاب السيد الرئيس فيه إيجابيات ينبغي أن يرد عليها الشباب بإيجابيات» وفي 30 يناير اتصل به مذيع لا يعرفه، كان يناديه «الأستاذ جابر»، ولم يبال بنزع اللقب العلمي، وقال: «لسنا ضد الرئيس مبارك… لا يوجد مصري عاقل ضد الرئيس مبارك». لم يكن ذلك باسمنا.
بعد بضعة أيام قدم استقالته. قال لمماليكه: «استقال لأسباب صحية». استقال المثقف الموظف بعد أن وجّه إليه زميله الفتى المدلل لدى مبارك وزوجته، إهانة في اجتماع وحيد حضره لمجلس الوزراء. وسألته صحيفة (الوفد) سؤالين، ولم ينبض قلبه بالشجاعة للإجابة.
الأول: «عاصرت فترة تنحي عبد الناصر عن الحكم.. فهل تنصح الرئيس بالتنحي؟». الإجابة: «لا تعليق».
السؤال الثاني: «ما هو سيناريو الخروج من الأزمة التي نعيشها الآن؟». الإجابة: «أرفض التعليق».
من سوء حظ عصفور نشر المقابلة يوم 11 فبراير، وفي المساء احتفل الشعب بخلع مبارك. لعل نفسه الأمارة بالسوء لامته كثيرا، إذ فوجئ بالتنحي، ولو كان يقرأ الثورة جيدا، لقال كلمة الحق، ورزقه على الله، بدلا من أن يضيق بها صدره، ولا ينطق لسانه، أملا في أن يطول عمر الدكتاتور، ويفكر في الاستعانة به، إذ اختبره وتأكدت له قسوة قلبه الذي لا يهتز لسقوط الشهداء تحت سنابك الخيل في موقعة الجمل.
سيكتب عصفور في (الأهرام) تحت عنوان «ما فعله الحزب الوطني بمصر» عن «كوارث» الحزب الذي كان مبارك رئيسه، وأنه فعل بمصر ما لم يفعله بها حزب آخر، من «إفساد الحياة السياسية باحتكار السلطة، وما لازم ذلك واقترن به من تزوير إرادة الأمة والتلاعب الفاضح بانتخابات مجلسي الشعب والشورى، وآخر كوارث هذا التلاعب التزوير المشين الذي حدث في كارثة الانتخابات الأخيرة لمجلسي الشعب والشورى.. وتشجيع التحالف الشائن بين السلطة ورأس المال، وتبنيه والدفاع عنه للأسف وهو الأمر الذي تسبب في نهب المال العام».
في 2009 سمعت الدكتور عصفور يقول في ندوة: «إسرائيل لا تزال عدوا». في العام نفسه، وقعت فتنة عدم الاتفاق على اسم رجل أثار وصوله لمصر جدلا. لم نتفق على كيفية كتابة اسمه حين قدم حفلا موسيقيا، للمرة الأولى، في دار الأوبرا بالقاهرة؛ فهو «دانيال بارنبويم» لدى أحمد الخميسي، و«دانييل بارينبويم» لدى أحمد عبد المعطي حجازي و«دانيل بيرنبويم» مع عصفور الذي «وظف» كفاءته النقدية في الدفاع عن حضور الرجل، عبر ثلاثة مقالات في (الأهرام)، عنوانها «من جهل شيئا عاداه».
في أولها قال: «الواقع، أننا نحن العرب، لا نعرف ما ينبغي أن نعرفه عن أعدائنا»، موزعا ببذخ تهمة سطوة الفكر الأصولي، بمعناه القومي والديني. وكتب المقال الأخير: «هذا هو الرجل الذي شرفنا أن يقود أوركسترا القاهرة السيمفون… نسعد بحضوره إلى بلدنا الذي لم يتردد فاروق حسني في تحيته، ومعه كل المثقفين الشرفاء…». وتحت عنوان «ليس مجرد إسرائيلي» قال حجازي في (الأهرام) إن الذين لا يرون في الرجل «إلا شخصا يحمل الجنسية الإسرائيلية جهلاء أو مضللون يبحثون عن فرصة أو مناسبة يزايدون فيها، ويلعبون دورهم… وهو دور رخيص».
في مواجهة مقالات من قال فاروق حسني إنه نجح في إدخالهم «الحظيرة» نشرت مقالات رافضة للضيف، منها مقال للخميسي في «أخبار الأدب»، بعنوان «الأوبرا المصرية مغلقة أمام سيد درويش.. مفتوحة للإسرائيليين».
فصل المقال: عصفور لا يمثل الحرية ولا الثورة ولا المستقبل.
روائي مصري

S C