الاثنين، 26 يونيو 2006

تجمع يد ينشر رسالة من معتقل بالوادي الجديد تكشف أسماء ضباط التعذيب

تجمع يد ينشر رسالة من معتقل بالوادي الجديد تكشف أسماء ضباط التعذيب

حصل تجمع المستقلين المصريين-يد قبل فترة على هذه الرسالة من أحد المعتقلين حالياً بالوادي الجديد، وبها وقائع خطيرة تشير لاستمرارالتعذيب المنهجي في المعتقلات وتحدد أسماء بعض القائمين به،ويطلب صاحبها من الإعلام و القضاة التدخل خاصة أنه أوشك فقدان بصره تماماًنحتفظ بنسخة لأصل الرسالة التي نشر خبر عنها بجريدة التجمع قبل أسبوع، ونضع متنها أمام المهتمين للقيام بما يرونه لأجل مصر خالية منالمعتقلات و انتهاك كرامة الجسد البشري.

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى كل وطني يأبى الذل لغير الله - جل جلاله- هذه قصة لمصري في عصر قانون أمن الدولة -الطواريء سابقا - أقصها باختصار شديد لتصل الفكرةإلى كل لبيب.الاسم ................... ، السن 52 سنة، المهنة ......................، الإقامة ....................................

-في ليلة لها ظلمة فوق العادة وافقت ليلة الجمعة 10/10/96 بدأت رحلة مضى منها عشر سنوات و لم يأذن الرحمن الرحيم إلى يومي هذا بالرحيل عندور المعتقلين.

-ذهبت إلى فرع جابر بن حيان أمن الدولة فقال المحقق لي تلاميذك ضربوا فلاناً من عامة الناس، فقلت و ما ذنبي ؟ فقال المحقق إنهم تلاميذك،فقلت لا يؤاخذ الوالد بجناية ولده، فكيف يؤاخذ بجناية من تصفونهم أنهم تلاميذي؟ فقال المحقق نزله، فمكثت في جابر بن حيان 15يوماً ثماعتقلت و ذهبوا بي إلى سجن النطرون.

هكذا يطبق قانون الطواريء لمجاملة الناس!!!و من ليلة الظلمة إلى الآن طفت على سجون مصر على الترتيب الآتي :

النطرون 2- الاستقبال - أبو زعبل - دمنهور - الاستقبال - دمنهور - أبوزعبل - ليمان أبو زعبل - النطرون 1 - ليمان 440جنائي- الوادي الجديد.و في كل السجون السابقة إلى ليمان أبو زعبل كانت حفلات الاستقبال يحدها العسكر و الكلاب و صورة الاستقبال:1- التجريد من جميع الثياب خلا- أحيانا - الشورت.

2- معصوب العين ، مغلول اليدين ، و في كثير من الأحيان تقييد خلفي فلا مجال للاتزان ، قعودا فضلا عن وقوفاً

.3- تسمع صوتين أحدهما كرغاء البعير و به تستفتح الحفل الرهيب "شوف يا ابني شغلك" و الثاني كصوت الشفيق "كفاية يا ابني ارحمه"

.4- و أما ما بين الصوتين الأحمقين فلا تسل! فوالله لم تفعله اليهود على مر العصور السابقة ، و ما تفعله أمريكا بأبو غريب و جوانتامو - لايساوي 1/1000 ممن فعل بالمسلمين في سجون مصر .

ضرب بالكابلات و الأسلاك و الجريد و العصى و البيادات و اللكمات حتى تسيل الدماء و يعلو الصراخ ، فوالله لا ادري من أين تسيل الدماء أمنعل أم من أسفلوبعد زحف على الخرسان ، من موضع الحفل إلى زنزانة الآلام و قد زفتك الكلاب بنبشها و نبيحها، و الخلو عندهم أقذر الألفاظ من سب الدين والإله و لعن الأمهات و الآباء .

فهل هذا هو الإسلام الذي يريدونه ؟ثم سلب الممتلكات بزعم الممنوعات ، من ملابس و ساعات، و تؤخذ الأموال لتوضع في الأمانات و عند الإفراج عفوا الموظف ليس موجودا، و العاقبةفي المسرات.ثم هل من الإسلام تمزيق المصاحف؟ و منعها من بعض السجون، وإن وجدت صفحة نُضرب حتى الفراق، فهل أمر الإسلام تمزيق المصحف بهذا؟ اليهود لميمنعوا المصاحف عن المعتقلين و لا الأمريكان في جوانتاموا ،وهل ينص قانون الطواريء على استقبال المعتقلين بالإهانة و التهشيم ؟

ومن حفل الاستقبال إلى زنزانة الآلام : مساحتها3.85 * 5،80، التهوية في عامة السجون شباك ,25 * 2،70 ، النور لمبة من خلف حديد و شباك أوزجاج . و لم تضيء إلا عام2000 .المياه لا تصلح للحيوان و لا النبات ومن باب أولى الإنسان، و الله كنا نضع ثمان قطع من القماش لملء بعضالزجاجات ثم نرفع من القماش ما لا يقل عن40جرام فقط . الدورة/ لا يحل وضع الستارة و هي من أكياس البلاستك لستر العورات، و وإن وضعت فأنت على موعد - و الله- من الضرب و السحل و الإهانةالعدد/حتى عام2000 كنت السادس و العشرين في هذه المساحة و حتى عام 2003 كنت الحادي و العشرين وحتى عام2006 و أنا بين التأديب و التغريب18 شهرا في ليمان أبو زعبل ، 4 أشهر في ليمان 440 الجنائي ، 10 أشهر في بطن الحوت - الوادي الجديد سابقا ً.فأي قانون يأذن بهذا ؟ و ما ذهب بي إلى هذه الأماكن إلا للانتقام الشخصي كما سيأتي لا لمخالفة مني؟ فأين مدة التأديب القانونية ؟ أين التسكين الإقليمي؟

وكان من آثار هذه الصورة المشئومة للسجن انتشار الأمراض خاصة الجرب الفشل الكلوي السكر الدرن قرحة المعدة ضعف البصر الخ

أما عن الضرب من مباحث السجن فلا تسل عن القلوب الميتة و الأيدي الطائشة و الآلات الجائرة وخاصة الظلوم الجهول أحمد حجاب ، فكانوايحلقون اللحية بزعم النظافة ويمنعون حلق العانة والإبط ومنع قص الأظافر فبأي زعم تمنع سنن الفطرة؟ أهذا هو الاسلام الذي يدعون اليه؟أهذا هو تطبيق قانون الطواريء؟

والضرب كان في اليوم مرتين مرة مع وجبة الإفطار و الأخرى مع وجبة الغذاء، أما عن مصلحة السجون اسمها جميل وفعلها لا يتناسب مع اسمها لامن قريب ولا ومن بعيد لم نضرب من المصلحة ضربا و الله اليهود لم يفعلوه على مر التاريخ بالمسلمين لم نضرب أكثر من 3 ساعات متصلة ، لمنجرد من ملابسنا كيوم ولدتنا أمهاتنالم تصادر ممتلكاتنا من بطاطين و كثيرا من المتاع و ما المصلحة في حذفها ؟و أما عن الزيارة من عام96 وحتى 2003 و أنا أزور من خلف سلكين و الله في مساحة 8*10كنا نقف من 50الى60 في ناحية من السلكين وفي الجانبالآخر الأهالي بين 150-200 الكل يصرخ والكل لا يسمع شيئا و الزيارة مدتها 5 دقائق وكم من مرة لم أر فيها أهلي و أما عن الأهل فلا تسل عنالإهانة و لا عن الإذلال بل و الله الضرب ، وخاصة من الجهول صبري

و أما عن الدواء فممنوع من الدخول و إن أشفق فحبتين الأسبرينلقد حصلت على بضع وثلاثين إفراجا و لم يطلق سراحي والعجيب أن الإفراج يتم بالخروج من السجن واهب إلى امن الدولة ثم العودة إلى السجن بعدبعض يوم و قرار الاعتقال يتضمن تم إطلاق سراحه و بمراقبته تبين انه عاود زوال نشاطه فتم القبض عليه و اعتقاله، كل هذا في بعض يوم ، ألايعد ذلك تزويرا في أوراق رسمية ؟ ألا يعد ذلك افتئات على السلطة القضائية ؟

أول اعتقال كان في النطرون و أخذت إفراجا فذهبوا بي إلى جابر امن الدولة لم يكلمني انس و لا جان و في اليوم التالي ذهبوا بي إلىالاستقبال فإذا بتنظيم قد جمع و على رأسه قد وضعت و التهمة تحريم الفراخ البيضا! رقم القضية 50/97 وتم إخلاء سبيلي فذهبوا بي إلى أبوزعبل ثم أفرج عني فذهبوا بي إلى دمنهور مكثت فيه 5 سنوات تم الإفراج عني 11 مرة و ف هذا السجن المشئوم تم تعذيبي على يد الظلوم مسعود وصبري ففقدت 75% من عيني اليمنى و إصابة في أم راسي و انزلاق غضروفي و شرخ في الحوض و غضروف في الركبة ...

العجب تم تحويلي على النيابة حيث كنت احمل على بطانية و أمرت النيابة بعرضي على الطب الشرعي و لم يتم عرضي على الطب الشرعي إلا بعد شهرو نصف فسألت د. حسام لمَ لم يتم عرضي حسب أمر النيابة مباشرة قال كيف تعرض على الطب الشرعي و حالتك هكذا ؟ ولم أعالج إلى يوم هذا من شيءثم ذهبوا بي إلى دمنهور مرة ثانية قام الجهول الظلوم صبري بضربي و أنا محمول على بطانية و قد وضع كيس ملابس بلاستيك على وجهي ووقف عليهبالحذاء ثم المفاجأة !!

تم تغريبي إلى ليمان أبو زعبل لأنني رفعت عليهم قضية ومكثت في انفراد 18شهرا لم يصحبني إلا جردلان أحدهما للغائط و الثاني للماءثم تم ترحيلي إلى النطرون 1 فأصبت بقرحة المعدة وتم عمل أشعة بلبريم لي و قرر الطبيب سرعة عمل منظار وقد وافقت المصلحة و أرسلت فاكسابترحيلي إلى الاستقبال لعمل المنظار فاعترض الأمن ولم ينفذ الفكس وعاودتني الآلام ومرة أخرى احمل على بطانية فأمر طبيب السجن بعمل أشعة لي على مواطن الألم و جاءت الترحيلة وفوجئت بهم يريدون تقييدي فقلتلا يصلح فأنا على بطانية لا أتحرك و أي فرامل ستضر بي و أصر المأمور عنادا على تقييدي فمنعني من الذهاب وصرف الترحيلة و عمل محضر بهذهالواقعة ذكرت فيه ما حدث نصا و لكن المأمور أسرها لي و لم يبدها.

فحدثت مشكلة في السجن و هي أن بعض الأفراد امتنعوا عن الدخول إلى الزنازين و لست طرفا في المشكلة لأني طريح الفراش فاستغل المأمور هذه الواقعة وتم تغريبي إلى سجن ليمان 440جنائي انتقاما مني و قد اعترف لي بهذا ضابط امن الدولة وضابط المباحث ومكثت في تأديب ليمان 440جنائي ثلاثة اشهر و اشتد بي الألم وطفحت القرحة فطلبت العلاج فلم يستجب لي مطلقا فأبرمت مع نفسي إضرابا استمر بضع و ثلاثين يوما وطلبت نقلي إلى سجن دمنهور لعلاجي في المستشفى فجاءت النيابة وجمعت الطرفين : أنا و أمن الدولة وتم الاتفاق على نقلي إلى سجن دمنهور مقابل فك الإضراب وتم إثبات ذلك في حضور النيابة وتم فك الإضراب وبدلا من ترحيلي إلى دمنهور تم ترحيلي إلى بطن الحوت الوادي الجديد سابقا فماذا يسمى هذا ولماذا سكتت النيابة إلى الآن

و أنا هنا في الوادي من عشرة شهورانظر كيف يستخدم قانون الطواريء لتفريغ الأحقاد والمجاملات و تصفية الحسابات الشخصية أين التسكين الإقليمي و ما ذنب أهلي و عليه

عذرا شعب مصر الأصيل عذراً قضاة مصر

أناشد كل قلم حر أنيق و كل لسان حر فصيح أن يوقفوا هذه المهزلة ومهزلة الأحفاد وتصفية الحسابات و المجاملات

أناشد كل محام حر أن يتقدم بعمل قضايا ضد ضابط امن الدولة - فرع جابر- و وائل نور- اسم حركي

قضية بعدم تنفيذ أحكام القضاء والإفراج

- قضية تزوير أوراق رسمية لاعتقالي حيث زعم الإفراج و مزاولة النشاط و الاعتقال مرة أخرى

أناشد كل محام حر أن يتخذ كل الإجراءات القانونية للتنازل من الجنسية المصرية

و أطالب المجتمع الدولي بتوفير جنسية أخرىأناشد كل من يهمه الأمر برفع قضايا في كل المحافل الدولية ضد كل من عذبوني ومن أوصى على تعذيبي و على رأسهم (وائل نور) هذا الذي بمقاله غر الأوائل و الأواخر / ما أنت إلا خاسر كذب من سماك وائل

"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"

معتقل سياسي / ............................................

بطاقة شخصية رقم.........../..........................

القاهرة يونيو2006

الأربعاء، 21 يونيو 2006

الإخوان المسلمون بالإسكندرية يحاربون التدخين!

الإخوان المسلمون بالإسكندرية يحاربون التدخين!
تحت عنوان "إسكندرية بلا تدخين" نظم الثلاثاء الماضي نواب الإخوان المسلمين بالمحافظة مؤتمراً صحفيا لبدء حملتهم ضد التدخين و التي تستمر لعشرة أيام، و تبنوا فيها فعاليات جديدة منها وقفة رمزية أمام الشركة الشرقية للدخان و السجائر و دعوة المارة بالشوارع لإطفاء سجائرهم، و أعلنوا بالمؤتمر أنهم بذلك يمارسون دورهم كـ"نواب حقيقيين عن شعب مصر يهتمون لهمومه و يرعون مصالحه و يعالجون مشاكله"!
يذكر أن الإسكندرية مشتعلة هذه الأيام بحملة أخرى تم فيها اعتقال 15 مسيحياً بعد مهاجمة الأمن مقر جمعية قبطية بمنطقة خورشيد قبل احتفال لتنصيب أحد القساوسة، وكانت الجمعية تستخدم لأداء الصلوات لعدم وجود كنيسة قريبة، في ظل مخاوف من تكرار أحداث أبريل الماضي الطائفية عندما هاجم 3 مسلمون 3 كنائس في أوقات متقاربة مستخدمين السكاكين وقتل مسيحي وأصيب آخرون من رواد الكنائس تبعها مصادمات في الأيام التالية أودت بحياة مواطن مسلم.
ويلتمسون من غالي الإفراج عن المعتقلين!
اليوم ذاته شهد مقر المجلس القومي لحقوق الإنسان تجمعاً لبعض عوائل المعتقلين الأخوان من الإسكندرية على هامش مظاهرات تأييد القضاة قبل شهرين، حيث تقدمت 15 سيدة من الأهالي بالتماس لدكتور بطرس غالي رئيس المجلس متظلمين من الحبس الاحتياطي لذويهم،أحاط بمقر المجلس عشرات من المراسلين الأجانب، بينما كان المعتقلون يعرضون في نفس التوقيت على نيابة أمن الدولة بمصر الجديدة دون وجود ملحوظ لأهاليهم، وبالمقابل تظاهر ناشطون من التيارات المدنية تأييداً للناشط بالحملة الشعبية من أجل التغيير علاء سيف المعتقل أيضا في مظاهرات تأييد القضاة، والذي كان يعرض على النيابة نفسها حيث أفرج عنه وسط احتفاء من المدونين ممن يسجلون أفكارهم و مذكراتهم عبر شبكة الانترنت باعتبار علاء أحد المتحمسين لهذا النوع من النشاط،و في قرار فجائي قررت النيابة في اليوم التالي الإفراج عن بقية معتقلي كفاية و عددهم20.

الجمعة، 16 يونيو 2006

جريدة التجمع 10 يونيو- رحيل رزة و يوسف درويش - كن رحيما بنا ايها الموت

رحيل زعيم الطلبة أحمد عبدالله رزة : كن رحيما بنا أيها الموت فقدت مصر صباح الثلاثاء الماضي رمزا وطنياً و باحثاً مخلصاً مهموما بقضايا وطنه، د. أحمد عبدالله رزة، و الذي كان يعاني من مرض القلب و أجرى قبل عشرة سنوات جراحة لتركيب جهاز لتنظيم نبضات القلب لكن يبدو أنه لم يصمد أمام تراكم الهموم العامة و الانكسارات في تحقيق رؤيته لإصلاح تنموي يبدأ من القاع في كل مجتمع محلي ينتمي له المواطن، كان رزة رئيسا لـ " اللجنة الوطنية العليا للطلاب " التي قادت انتفاضة الطلاب يناير 1972 وتم انتخابه رئيسا للجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة وقائدا للاعتصام الطلابي الذي فضته قوات الأمن المركزي حين اقتحمت حرم الجامعة لأول مرة في تاريخ مصر، حصل على الدكتوراة عن أطروحة في الاجتماع السياسي من جامعة كامبردج بلندن"حركة الطلبة والسياسة الوطنية فى مصر، و لم يشفع له ذلك في عمل أكاديمي بمصر التي عاد لها في منتصف الثمانينات ليساهم في مشاريع حقوقية و سياسية مختلفة، رغم تقديره ومشاركاته في مجال تخصصه بفعاليات بالخارج،انضم للتجمع و انسحب منه بلا عداوة،كان رحمه الله حريصا على استقلاله السياسي والفكري طوال حياته، رفض التمويل الأجنبي في العمل البحثي لأسباب واقعية، وقد أسس مركز الجيل للدراسات الشبابية بعين الصيرة لخدمة المنطقة التي عاش بها، شيعت الجنازة من مسجد السيدة زينب وسط دموع زملاء الفقيد و تلاميذه،وجيرانه في عين الصيرة التي ولد وأختار أن يبقى فيها، و في المركز الذي أنشأه رافضا أي تمويل في نشاطه البحثي" مركز الجيل" وأسس فيه عام 1995 " مشروع الرعاية الجزئية للطفولة العاملة " لرعاية عشرات من الأطفال العاملين في فواخير وورش و مدابغ مصر القديمة بعد بحث ميداني موسع عن هذه الفئات، توقف المشروع في2000 والذي كان يدار في غالبه بجهود ذاتية،و في السنوات الخمسة الأخيرة بدت عزلته الاختيارية المحببة عن الوسط الزاعق ثقافياً و سياسياً، خاص انتخابات مجلس الشعب الأخيرة مكرسا لفكرة المرشح ببرنامج واضح متركز على الدائرة، و كان رغم تحفظاته على العديد من أخطاء الحركة السياسية بمصر في السنوات الأخيرة يتلمس لبعضهم العذر كون المناخ العام"لن يأتي بالأفضل" حاليا، و يضيف تعقيبه النهائي الملخص "دع ألف زهرة تتفتح".وداعاً يا رفيق ولتكن رحيما بنا أيها الموت وليعوضنا الوطن.

أحمد عبد الله رزة وخمسة أعوام مسروقة من عمر هذا الوطن

أميرة الطحاوي*
رغم عمق الجرح في رحيل معلم و صديق هو الدكتور أحمد عبد الله رزة فإن الرثاء لن يعيده لنا ودموعنا على صدقها لن تخفف حزناً، لكن بوسعنا قطعاً أن نعمل على ألا تتكرر الخسارة؛ أن نؤجل رحيل الأكفاء الأنقياء حتى يستفيد الوطن من كامل قدراتهم، عندما تحين ساعة لا مفر منها.
(1) تحدث "مصباح قطب" بافتتان حقيقي عن تجربة الراحل التنموية في الحي الشعبي الذي تربى فيه "عين الصيرة"، وجدتني لاحقاً و بنفس الافتتان أدافع عن العمل الخدمي في المناطق التي نعرفها وتعرفنا، و قبل أن ينتهي العام نفسه(يونيو 1995) التقيته في ندوة بكليته التي تخرجت فيها لاحقاً "الاقتصاد و العلوم السياسية" باغتني بسؤال ساخر "هو انتي بقى يساريةو لا إيه؟" كنا انتقدنا -كلُّ في تعليق منفصل- مطلب أ.د.صفي الدين خربوش (وأظنه يشغل منصباً في الحكومة الحالية) في حذف الإشارة للحركات اليسارية المصرية من التقرير الاستراتيجي العربي الذي يصدر سنوياً عن الأهرام، لأنه حسب خربوش يعطيها وجوداً وحجماً ليس بحقيقي، رفضنا الفكرة فكرياً و علمياً. في جلسة لاحقة كان لرزة تعقيب على د. أسامة الباز، و كان وقتها مستشاراً لرئيس الجمهورية، سأله بثقة عن الشائعات التي تتردد بالشارع المصري حول ثروة علاء و جمال، ثم قال حرفيا "هل يوجد نار دون دخان؟ أم أن الشعب المصري مغرض بطبيعته؟" بالإضافة لدوره في حركة الطلبة في السبعينات، فقد قدم الكثير بعد عودته لمصر منتصف الثمانينات، لكن نشاطه العام تراجع في السنوات الخمسة الأخيرة كثيراً، بسبب المناخ العام اللافظ أو المحارب للـ"حقيقيين" احتفظ بنقائه في نصف عزلة محببة،كان يحلو له القول أنه يتصرف كما لو أنه على المعاش،فقط أنشأ "نادي الطفل"حيث يأتي أطفال الحي في السادسة مساء لاستخدام الألعاب بحديقة ومكتبة مركز الجيل! ثم محاضرة هنا و هناك لجمهور من عشرات أو مئات وللأسف دون تغطية إعلامية كافية باعتبار أن هناك أولويات أخرى لدى إعلامنا الحكومي الرائد. لم يفقد بوصلته الإنسانية و بمشاعر الإنسان والأب غضب بشدة للانتهاكات التي تعرضت لها الفتيات يوم الاستفتاء على تعديل الدستور، و اشترك في فعالية لاحقة لرفض هذا الجرم(10يونيو05: وقفة ضريح سعد بالشموع) ابتعد عن الزخم السياسي الزاعق دون تراكم حقيقي، ومع ذلك فاجأنا بترشيحه للانتخابات مستقلاً، و أعطى درساً بديعا في تقاليد العمل السياسي بمصر عندما صادفت إحدى جولاته الانتخابية جولة لمرشح آخر إسلامي(أ. مجدي حسين) فنزل بنفسه لتحيته، كان متأثراً في 21فبراير الماضي للخلط الشائع بين يوم الطالب المصري و العالمي، وحزن بشدة لضعف الفعالية التي أقيمت أمام جامعة القاهرة بهذه المناسبة، حزناً مشتركا سجلته وقتها في عيون بعض زملائه من جيل حركة الطلبة بالسبعينات،آخر معاركه كان مطالبته بالحصول على عدد الأصوات التي حصل عليها، وأخرى بسبب سطو على حقوقه الأدبية و الفكرية لكتبه، فاجأني أنه جمع مساعدات لأطفال اللاجئين السودانيين بعد مذبحة المهندسين وبعض الملابس لهم قام بتصنيفها بيده(هو مولع بالنظام و النظافة) حسب النوع و السن. أوردت هذه الأمثلة (و مثلها الكثير) لندرك كيف كان الراحل نشطاً متفاعلاً مع الشأن العام، و في الآن ذاته مخلصاً للمجتمع المحلي الذي ينتمي له كإخلاصه للوطن الذي عشقه بصورة عملية أكثر منها رومانسية أو زاعقة، ومع ذلك و لأسباب عدة لم يتم الاستفادة من هذه الروح المتوقدة بالصورة الكافية، رجاءً لا تفسدوا العناصر الجديدة التي تبدي اهتماما بالشأن العام، لا تعدوهم بنصر سريع، علموهم أن جزءً كبيراً من مصداقية السياسي "أن يكون صادقاً منتمياً" بلا افتعال، وأن يكون شجاعاً دءوباً بلا ضجيج.
(2) حرمان العلم و التعليم
  عقب عودة رزة من الخارج حاملا شهادة الدكتوراة في الاجتماع السياسي من جامعة "مغمورة" بلندن هي كامبردج لم يحصل على وظيفة أكاديمية تليق بتحصيله، وفي هذا الصدد قصص لا محل لها الآن من الإعراب لكن مجملها أن وظائف كانت تفصل لأسماء بعينها- بعضهم كان يصغره خبرة و عمراً- للتعيين، و مع ذلك حرمت عليه باعتباره "مغضوباً عليه"، ومع مرور قطار العمر كان من الصعب أن يتقدم عالمُ مثله لوظيفة مدرس مثلاً، وبهذا حرم آلاف الطلبة لعقدين كاملين من أكاديمي متميز لديه من الخبرة و القدرة الفريدة على التواصل. قام رزة ببعض الدراسات الميدانية في نطاق منظمات اجتماعية، ومنها بحثه الميداني الهام حول الأطفال العاملين بمجالات الورش و المدابغ و الفواخير، وعندما أسس مركز الجيل للدراسات الشبابية رافضاً بوضوح تمويل الجهد البحثي المحدود للمركز كان عليه أن يقوم بتضحية ما؛ فطبيعة هذا النوع من الأبحاث يفترض بها أن تكون ميدانية بالأساس، مسح أو عينة و نزول و استمارات وتفريغ خانات و تحليل إحصائي و نتائج و تنقيح و عينة ضابطة الخ هذا المسار المكلف،فاضطر لتعويض ذلك بمشاهداته الحية و يقظة عينه المستعدة دوما لالتقاط مشاهد ذات دلالة، بعض كتبه لاحقاً "في هذا المجال" على أهميتها كان إما تأملياً أكثر منه تجريبياً أو مجمعاً من مساهمات سابقة له، انتفاء الدعم للجهد البحثي حرمنا من إسهامات أكثرتوسعاً لباحث مقتدر، رجاء: وبأي شكل لا تدعوا ذلك يتكرر ، لمصلحة العلم والمكتبة العربية على الأقل.
(3) عودوا لمجتمعاتكم المحلية رغم عدم التقدير المناسب و استغلال خبرته العلمية، فإن لهفة العائد لخدمة الوطن بأي شكل جعلته لم ينكسر فتعاون في مشروعات مثمرة تخدم محيطه، بمشاركة وتفانٍ من شقيقته (الراحلة أيضا على عجل1999) أ.برلنتي عبد الله،وربما لدى الزملاء(مع حفظ الألقاب) عمر وسعيد ورضا وبرعي وعماد وجمال ومنى ونعمات وفيليب وفاتن و آخرين (خاصةً من أبناء مصر القديمة) ما يضيفونه حول تجربتهم ورزة في العمل بالمجتمع المحلي للاستفادة في تجارب أخرى، رغم بعض العصبية وأحياناً التقلب الفجائي فإن من عرفه يتأقلم معه غالباً، إنني أدين بأربع سنوات من التطوع(و عشرات جاؤنا متطوعين لفترات مختلفة في مشروع الرعاية الجزئية للطفولة العاملة وبعض الأنشطة الثقافية) لمركز الجيل، ولأسباب تخصني لا يمكنني التوقف للآن عن نشاط طوعي خدمي لكن الفضل الحقيقي في زرع هذه القيمة يعود للراحل. إن انتماء المثقف الحقيقي يبدأ من الحي الذي تربىفيها، للشارع الذي ركض فيه صغيراً، للنجوع التي يحلم بالخدمات لها، دعوني أسال كلاً منا و بالأخص القادمين من القاع عن آخر زيارة أو خدمة قاموا بها لهذا القاع، الذي لا يملون الحديث باسم من فيه من مهمشين و فقراء. عودوا لمجتمعاتكم المحلية، للقرى و العشوائيات التي تهتفون بحقوق من فيها، امسحوا عنهم الأمية الأبجدية، أعطوهم من وقتكم و جهدكم، لقنوهم الأبجدية الإجتماعيةوالقانونية،علموهم حقوقهم، ابذروا فيهم الوعي، تنوير فتثوير للفئات الأكثر نقمة، مرحلتان عبرهما سيأتي حقاً التغيير، و سيكون ثابتاً حتماً لأنه سينبع معبراً عن الجماهير وبأيديهم.
(4) طاهر اليد دوماً لا أستطيع الجزم إن كان للراحل قناعات نظرية ومنهجية ضد التمويل الخارجي أم أن الأمر راجع لمراقبته المسار الذي اتخذته خبرات التمويل مصرياً، وانتقاصها من صدقية العمل و استقلاليته في بعض الحالات، فوجئت به في 97 يسألني"هل نقبل تمويل ...... للبرنامج" فرددت ببعض التحذلق وتقضيبة جبين مناسبة "لنتعامل مع الأمر بعيداً عن فوبيا التمويل" قاطعني فوراً "لا لا..اعتبري الفوبيا موجودة و معششة هنا" و أشار ضحكا لرأسه، يعلم المتابعون نزاهة الرجل وطهارة يده، أما مشروع الرعاية الجزئية للأطفال العاملين 1995-2000 فكان يقبل مساعدات عينية كالأطعمة و الملابس و الأدوية للأطفال، أو نقود تخصص لأحد هذه البنود،كانت مصادر تمويل المشروع الذي استمر لـ5سنوات عجيبة، بين تبرعات من منظمات في صورة عينية أو تبرعات فردية، أو علب فارغة من منازل نستخدمها في الأعمال الفنية، بيع كتب بالمرور على الأصدقاء و غير الأصدقاء، التوفير في ثمن مستلزمات ضرورية، اقترحنا عليه بتندر في مارس الماضي أن نؤجر تلفزيون المركز لعرض مباريات كأس العالم فضحك بعمق، قبلها بأيام التقيت بالصدفة أحد أصدقائه الأوفياء وسألني إن كان هناك من يرغب في إيجار قاعة لندوة أو محاضرة بالمركز، جنيهات معدودة لتساعد في سد متطلبات الإيجار لمركز لم يكن يقيم أي مشروع ربحي، لنا أن نتصور: إلى هذا الحد وصلت الأمور، علينا أن نخجل أن صرحا مثل مركز الجيل كان يتعثر لأسباب تافهة كالنقود بينما الفساد يضرب في كل مستويات النظام الذي يؤطر مصيرنا و يخطف مستقبل أولادنا. كان الراحل يسر سرورا كبيراً عندما نأتي له بإيصالات ما اشتريناه حتى لو كان "باكو شاي"، دقيقا يحاسب نفسه و بالبلدي لا يقبل على نفسه القرش الحرام، في مارس الماضي كان الزميل محاسب المركز يطرح عليه أفكاراً كلها شرعية للخروج من أزمة يمر بها المركز فكان الراحل يدقق عدة مرات في الطرق التي كانت كلها قانونية، أدعوه أيضاً ليقدم شهادة عن ذمة الرجل علها تفيد عدداً من ناشطي حقوق الإنسان، بالأخص الحالمين بتعويض عن حقوقهم المشروعة المهضومة في هذا البلد، عندما يهبط عليهم فجأة تمويل ما لمشروع ما، و أدعو لهم بصدق: اللهم نجنا من التجربة أو اجعل ضمائرنا أقوى من الإفساد المتوالي المنتظم للنخبة عبر شرك التمويل.
(5) علينا الآن- تلاميذه ومحبيه ورفاق دربه- ألا نسمح بتكرار هذا الفقد، فالخمس سنوات الأخيرة رغم مساهماته كانت فقداً عظيماً لا يمكن تعويضه لأنه لم يوظف خلالها طاقته المتوهجة كما ينبغي، لنقف إذن مع كل جهد تنموي مماثل، لنعلي قيمة الكفاءة و معايير الأفضلية في الترقي و العمل، لنمنع أي واسطة قد تمنع وصول الأفضل لحقه، لنتضامن مع كل عمل طوعي جاد يتعثر بسبب نقص في الموارد البشرية أو المادية، وفي مجالات التنمية و الخدمة العامة: لنعلي قيمة التطوع لا التطلع، سياسيا و فكرياً: لنحترم خيارات الآخرين و قناعاتهم طالما أن الهدف مشترك، لنساندهم بيقين أن كل جهد سيصب قطعا للصالح المشترك،خاصة أن الغمة تشمل الجميع الآن، ، لنساند ناشطي العمل الأهلي ممن لديهم المزيد ليعطوا و لا أحد يساعدهم على إفراغ وتوظيف هذا العطاء، لنقف بجوار كل صادق حتى لا ينزوي بكبرياء، كما الأفيال عند اقتراب ساعة رحيلها.
*كاتبة مصرية وأحد تلاميذ الراحل- الأهالي 14يونيو2006

الأربعاء، 7 يونيو 2006

وفاة أحمد عبد الله رزة كن رحيما بنا أيها الموت

وفاة استاذ و صديق و أخ و عزيز لدي
أحمد عبد الله رزة
12 عاما فقط و أنا أعرفك و الآن ارثيك .. لماذا لم يختارني الموت بدلا عنك؟ كنت بذهني هذا الصباح اشعر حقا بقلق عليك و أخطط لمهاتفتك ع المغرب دون كلام في خطط عمل لعين الصيرة و لا غيرها
قلقي يتزايد و لكنني بمجرد بدء عجلة العمل أكمل اليوم بصورة عادية
يشعر بعض الزملاء الجدد أنني غاضبة أو حزينة!
و في التاسعة مساء تقريبا كنت و احدى الصديقات من بلد عربي نتحدث عن نموذج الأنقياء الذي تنبذهم غابة الفساد و التملق في مصر فينزوون بنقائهم
فكانت سيرتك الجميلة
يحدثني الدرويش مصباح متأخرا على غير عادتنا فأصرخ في الهاتف و يسقط قلبي من الخوف
وداعا ايتها الحياة القصيرة
كن رحيما بنا أيها الموت
العزاء بمركز الجيل
عين الصيرة
خلف المخبز الالي
طريق صلاح سالم
مقابل نادي الابطال او حديقة الفسطاط و كايرو لاند
الجنازة من مسجد السيدة نفيسة بعد الظهر
عزاء الوالدة على هاتف المسكن بعين الصيرة

الجمعة، 2 يونيو 2006

ماذا يقول الضباط لعساكر الأمن المركزي قبل المظاهرات؟

الخميس 11 مايو06: نقرأ في الأخبار السريعة أن سيارة أمن مركزي سقطت من أعلى كوبري 6 أكتوبر، مشاعرنا ليست معادية تجاه من فيها و ليست أيضا محايدة؛ فهم أيضا من ضحايا النظام القمعي و كل ما هنالك أنه يستخدمهم لإرهاب و قمع فئات أخرى من الشعب، في المرات القليلة التي أتيح لنا أن نلتقط صورا مقربة لوجوه هؤلاء الجنود، كان يفزعنا التشابه بين أعينهم حد التناسخ، كسر الروح يظهر جليا و يوحد شكل أعين هؤلاء الشباب، هم في أعمار معظمنا من الناشطين الذين نخرج لمظاهرات شوارع وسط القاهرة، عرفنا اسم المستشفيات التي يتلقى فيها جرحى الحادث العلاج، اتصلنا و عرفنا مواعيد الزيارة، جيد: المستشفى الأول الذين قصدناه ليس عسكريا فسهل علينا دخوله.

الثلاثاء -- مايو06: تذكرتا زيارة ب 3 جنيهات لكل منهما و نلج مباشرة للدور الأول و نسأل ممرضة عن قسم الجروح، تبدو مستعدة للخدمة و الرد بعفوية على أي تساؤل "همه فين العساكر بتوع الحادثة الخميس اللي فات،فيهم فلان" نخترع لها اسما لاحظنا تكراره في قائمة أسماء الجرحى، و نقول إن "أهله موش عارفين ييجوا له مصر.. و ترجونا زيارته ففعلنا " تخبرنا بكل شيء: دول جابوهم ياعيني يوميها الصبح، كانوا كتير بتاع 10-12 كده، بس اللي اتعالجوا مشوهم ف نفس اليوم، اللي متربط و اللي ساحبينه معاهم و بيتسند عليهم، لسه فاضل تلاتة ف الجروح و الكسور. نذهب للأسانسير المفترض، المستشفى في قمة القذارة أكثر مما يمكن تصوره في أي مستشفى حكومي،لا نفضل الانحشار في الأسانسير فننتظر الذي يليه و الذي يتأخر طويلا. تشاركنا الصعود ممرضة ترتدي جلبابا رجاليا أبيض اللون تظله بقع من آثار طعام لم يجف تماما و تحمل على كتفهاطفلة تأكل خوخا و تمسح فمها و أنفها في جلباب الممرضة ننزل أولاً للدور الرابع- قسم الجروح، نسأل أحد المرضى بصوت خفيض "ازيك هو موش حضرتك من حادثة العساكر بتاعة الأمن المركزي؟ يشير لنا للعسكري الوحيد في سرير بأقصى العنبر.. ثم نرى "خلف"
خلف أم إيهاب أم عب سلام ؟؟
أحد الجرحى ممن كانوا في السيارة و رغم الجروح البادية فإنه أخبرنا أنه كتب له خروج و لكنه عاد خلسةً ليرى "خلف" خلف ينكر اسمه و يقول "أهاب عبد القادر م المنيا- مغاغة” " ثم ..عادل ثم .. إبراهيم عايز اشرب هاتوا لي أمي عطشان نقرأ بجواره ورقة عليها اسمه الحقيقي كما قال من حوله "خلف" قالوا لنا أنه حاول الانتحار صباح اليوم باستخدام سكين طعام، و أنه دائم الصراخ في أوقات متفرقة من النوم، موقظا العنبر كله- خلف يشترك في الحجرة مع 11 شخصا آخر! بجواره كلابشات حديد كانت في يده و فكت لبعض الوقت في وجود أحد زملائه المجندين، الذي قال أن خلف "متهم" كونه سائق السيارة، هائما مستلقياً على السرير بلا ملابس مغطى ببطانية جيش، تبدو آثار اللا نظافة و اللا اعتناء واضحة على عينه و في الأذن، إصابات الوجه و اليد واضحة والتي حتى لم يهتم احد بغسلها جيداً من الأوساخ بالأخص حول مكان الإصابة رغم مرور 6 أيام على الحادث. يبدأ خلف في الغناء ثم في بعض "الحركات" بوجهه ناظرا يمينا و يساراً في سرعة فجائية ناطقاً جملا غير مفهومة ثم ضاحكا بصوت مرتفع، يدخل علينا عسكري شرطة نخبره أننا صحافة فيسألنا هل معنا إذن، نقول له "آه طبعا معانا.. م الجرنان بتاعنا"، يسألنا عن الإذن بتاع المستشفى نروغ و نزوغ. لم يكن هناك فائدة من مغافلة العسكري مرة أخرى فخلف ليس لديه سوى هذه الحركات على حد قول أحد المرضى "ده خايف يلبسوه تهمة، و الله بتوع الأمن المركزي دول عالم غلابة ما يعلموهم صنعة و خلاص" نشكره على النصائح و نعده أننا سنكتب هذه الفكرة، في طريقنا للسلم نرى جوالين بلاستيكيين جمعت فيها قمامة كثيرة متنوعة المصدر بين بقايا طعام و بقايا جراحات، لا تنس أنت في مستشفى، ينتظران دورهما لأن سيارة نقل القمامة امتلأت عن آخرها، هكذا لاحظنا عند خروجنا من المبنى.
نصعد على السلم لقسم الكسور، لن نتحمل تجربة الأسانسير مرة أخرى، في الغرفة الأولى نقابل أحد الجرحى و يرافقه زميل تصادف حشره في سيارة أخرى غير التي تعرضت للحادث، يشعر بخوف، يسألنا هل سيجدون له عملا بعد أن يشفى في الجيش؟ من هؤلاء و أي جيش يقصده؟ لكننا نكرر الجمل المصرية المغرقة في ضبابيتها فنقول "ربنا يسهل،كله بأمره" فيرد "و نعم بالله" فتجاوبه "ما البني ادم مننا برده مفروض ما يستكترشي حاجة على اللي خلقه" يرد "أي و الله" و هكذا كنا نساير أسئلتهم القلقة حول مستقبلهم بعد الحادثة بهذاالحوار العبثي، لا نملك أن نقول لهم انتم ليس لديكم دية عند هذا النظام؛ فبينما شيع الضابط المتوفى بالحادث في جنازة رسمية، نسأل كيف دفن العساكر الستة؟ وأي تعويض أدبي أو مادي حصلت عليه أسرهم؟ أي مستقبل ينتظر من بقى على الحياة بعاهة مستديمة؟

أحد الجرحى (جمال- 22 - أكبر أشقائه الأربعة) : يرقد بجروح و كسورة في معظم أجزاء جسده، مرتديا جلابية فلاحي، و على قائم السرير وضعت ملابسه الميري السوداء مغسولة في إنتظار أن تجف! "طلعنا من معسكر العبور لحد كوبري ستة أكتوبر القريب منا خبط ع العربية لما السرعة زادت خالص، خفنا، ما حسيتشي بنفسي غير ف المستشفى " "العربية بتاخد فوق ال 30 مجند" عن كيف يتلقفون الأوامر بالتعامل مع المظاهرات يقول: إحنا بيدونا التعليمات م الساعة 12 بالليل قبلها بيوم بيقولونا لما تكون في مظاهرة مثلا إن علينا مهمة "تأمين مظاهرة سلمية"القائد بيفهمنا "إقف باحترام و امشي باحترام و ما تخليش حد يعدي و ما تطلعشي حد غير لما تاخد أمر من ضابط، ما تتكلمشي مع حد" شهادة جمال حول مذبحة اللاجئين السودانيين 30ديسمبر2005: "قالوا لنا يوميها الصبح بدري أن في ناس محتلة ارض ف مصر و لازم نطلعهم منها،... و بيطلعوا ع الشوارع يخوفوا الناس ف الحتة و ياخدوا منهم محافظهم، و قعدتهم ف المكان ده موش ولابد يعني... لما رحنا أنا كنت عند الأتوبيسات بندخل أي حد يطلع م الجنينة و نخليه يركب الأتوبيسات" نسأله هل علمت بحدوث وفيات بين اللاجين، يقول "شفنا ناس بتطلع م الجنينة مغمى عليها أو مجروحة بس، ماكنشي حدج منا يقدر يدخل الجنينة عليهم" شهادته عن الانتخابات النيابية نوفمبر2005: ف الشرقية روحنا الانتخابات اتحاصرت 3 عربيات و هجم ناس بالطوب طلعنا م العربيات قنابل دخان و الناس هربت و اتفك الحصار عنا شهادته يوم تمزيق علم مصر 26أبريل06و الهجوم على المعتصمين أمام نادي القضاة: "يوم ما قطعوا العلم إحنا كنا ف عابدين بس زملاتنا رجعوا و حكوا لنا، مش إحنا اللي كنا بنضرب دول ناس من إقسام الشرطة ماهوماش مجندين " نسالهم إذا كان أحداً من أهلهم قد جاء لزيارتهم يقول "ابويا جه زارني تاني يوم بس مافيش مكان يبات فيه و رجع البلد تاني.......أنا مزارع و موش عارف لو ايدي و عيني راحت ها أعمل إيه... همه ها يصرفولنا حاجة يا افندم؟
كامل، المنصورة – 21 سنة الساعة 6 صباحا كان لدينا خدمة عامة (عرفها لنا بأنها مهمة خارج المعسكر) كنا 6 سيارات في رتل و المفترض أن نكون في المكان قبل السادسة صباحا أسرعت آخر سيارة في الرتل لتلحق بسابقاتها سمعنا ارتطام شديد، نزلنا من السيارات و طلبنا من بعض أصحاب السيارات الملاكي الاتصال بقائد المعسكر بهواتفهم المحمولة، "إحنا زعلنا قوي على زمايلنا اللي ماتوا، ماهم كانوا اخواتنا برضك، واكلين و شاربين مع بعض،ربنا يصبر أهاليهم" و أضاف "بقى لنا كذا خميس ورا بعض نشد خدمة ف المظاهرات عشان نأمِّن المكان و نحافظ على الناس...الضباط بيقولوا لنا ما تتحركوش إلا بأوامر...نضرب بالعصيان بأمر الضباط بس... و أنا عن نفسي آخر مرة كنت بهوش بس ما بضربشي... إحنا عندنا قلوب برضه و تراحم... انشديت خدمة قبل كده ف جامعة عين شمس و ماتشات الكورة لكن الخدمة ف المظاهرات تعب قوي بس لازم ننفذ الأوامر “ طب إيه رأيك ف بتوع المظاهرات؟ "مالناش دعوة بيهم و لا باللي بيقولوه.. لو ليهم حق ها يخدوه.. لو موش على حق لازم نخدهم " يضيف “من يوم الحادثة و أنا حزين موش قادر انزل خدمة تاني، سمحوا لي أقف مع زمايلي و أرافقهم ف المستشفى، كلنا حزانى و تعبانين " قال أيضاً “اشتركت في خدمة في الشرقية ساعة الانتخابات،حمينا القائد، دايما معانا سلاح كاس، يعني و غازات و قنابل مسيلة للدموع و خرطوش... أيام الانتخابات كان في أوامر بمنع الناس من دخول اللجان خصوصا الإخوان: عشان المشاكل... و ساعات كنا نمنع الناس كام ساعة و بعد كده تجينا أوامر فنسمح ليهم يدخلوا" نخرج ممتئلين كآبة من جو هذا المستشفى ومأساة هؤلاء الغلابة، نجونا من العسكري الذي لم يرنا في خروجنا.
ننتظر أي باص فلا نجد، نذهب لمحطة أخرى سيراً و كلنا، ننظر في العيون، كلها عيون خلف، تزداد مشاعر الغضب لدينا. الطريق بطيء جدا نفكر أن نذهب للمطعم القريب لكننا نزهد الطعام الآن، كما إننا لا نأمن أن نجد النقابة محاصرة بعشرات من أمثال خلف فيمنعونا من الدخول. نصل للنقابة و نشرب الشاي و لكن الصداع العجيب لا يختفي. عندما يكتمل شمل المتظاهرين نلاحظهم، عشرات من الأمن المركزي فقط هذه المرة، نتراجع لخلف العمود الذي يوجد أمام مبنى نقابة الصحافيين ننظر من خلف العمود : كل وجوهم بلون واحد لون 3 سنوات من الوقوف في الشمس بلا طائل لإغاظة المتظاهرين ضد النظام! معظمهم حدد حاجبيه بموس الحلاقة المستخدم بينهم ربما للمرة الألف أو الملقاط الصديء، لون دمائهم تحت الجلود طافح بما يعانيه هؤلاء من سؤ التغذية، أتذكر فجأة اختبار الأنيميا الذي يظهر عند الاتكاء براحة اليد، كفوفهم كلها تجري الاختبار ذاته على القوائم الحديدية التي تفصلنا عنهم، نقول لهم عن زيارتنا لأشقائهم الجرحى و نريهم الصور، عن الإهمال في علاجهم و تعويضهم، نلمح الدموع في عيني أحد الجنود ثم يأخذ نفسا عميقا يعيد له توازنه مقطبا جبينه. نتحدث لهم عما رأيناها قبل قليل، أنتم أداة لا أكثر، ليس لديكم دية عند هذا النظام، يضيع من عمركم 3 سنوات بلا فائدة،"إحنا منكم و عليكم، إحنا موش أغراب عنكم، فينا اللي من بحري و اللي من قبلي، حظنا إن أهالينا تعبت شوية و علمتنا، فلقينا شغلانة، نحن هنا لأجل كل المظلومين و المسحوقين، إلخ تجيب شفاه قليلة حينما تأمن أعين الضباط "طب نعمل إيه"
الأربعاء- الخميس 17 -18 مايو06 : نراهم من جديدفنكتب لوحة تقول "إخواننا عساكر الأمن المركزي إحنا بنتظاهر عشان الغلابة و ضد الظلم" نمر بها عليهم و نقرأها، ترى هل يعرف الجنود شيئا عن أحداث الأمن المركزي1986؟ هل شاهدوا فيلم البريء؟ هل يدركون عبث ما يفعلون؟ نوعز لبعض الشباب أن يقوموا بتنوير للجنود "لماذا نحن هنا" و كيف أنكم "الحلقة الأضعف التي يسحقها النظام" الأستاذ مجدي حسين يمسك المايكرفون و يوجه لهم حديثا من القلب يستمعون له بإصغاء حقيقي و تعجبهم بعض قفشاته. عندما يبدأ البعض في الغناء المنفرد نطلب منه أن يوجه صوته من حين لآخر لهؤلاء “بص يا.... اعتبر إن سلم النقابة ده مسرح روماني و إن العساكر دول متفرجين، وغني عادي، إديهم إحساس إننا موش بنحتقرهم و لا احناش ضدهم، بص لهم من وقت للتاني" و عندما يعود القضاة من جلستهم و ينتهي اليوم نخرج من نقابة الصحافيين لنجدهم جميعاً قد رحلوا، تحضرنا فقط في نفس أماكن وجودهم صفوف متوالية من "العيون المركزية"، عيون كلها حزن و روح منكسرة و دموع جامدة. الهدف الجديد للتظاهرات المحاصرة سيكون هؤلاء.
تحقيق:سامية بكري- أميرة الطحاوي
جريدة التجمع27-5-06 

ماذا يقول الضباط لعساكر الأمن المركزي قبل المظاهرات؟

ماذا يقول الضباط لعساكر الأمن المركزي قبل المظاهرات؟

جريدة التجمع27-5-06

الخميس 11 مايو06:
نقرأ في الأخبار السريعة أن سيارة أمن مركزي سقطت من أعلى كوبري 6 أكتوبر، مشاعرنا ليست معادية تجاه من فيها و ليست أيضا محايدة؛ فهم أيضا من ضحايا النظام القمعي و كل ما هنالك أنه يستخدمهم لإرهاب و قمع فئات أخرى من الشعب، في المرات القليلة التي أتيح لنا أن نلتقط صورا مقربة لوجوه هؤلاء الجنود، كان يفزعنا التشابه بين أعينهم حد التناسخ، كسر الروح يظهر جليا و يوحد شكل أعين هؤلاء الشباب، هم في أعمار معظمنا من الناشطين الذين نخرج لمظاهرات شوارع وسط القاهرة، عرفنا اسم المستشفيات التي يتلقى فيها جرحى الحادث العلاج، اتصلنا و عرفنا مواعيد الزيارة، جيد: المستشفى الأول الذين قصدناه ليس عسكريا فسهل علينا دخوله.
الثلاثاء 16 مايو06:
تذكرتا زيارة ب 3 جنيهات لكل منهما و نلج مباشرة للدور الأول و نسأل ممرضة عن قسم الجروح، تبدو مستعدة للخدمة و الرد بعفوية على أي تساؤل "همه فين العساكر بتوع الحادثة الخميس اللي فات،فيهم فلان" نخترع لها اسما لاحظنا تكراره في قائمة أسماء الجرحى، و نقول إن "أهله موش عارفين ييجوا له مصر.. و ترجونا زيارته ففعلنا "
تخبرنا بكل شيء:
دول جابوهم ياعيني يوميها الصبح، كانوا كتير بتاع 10-12 كده، بس اللي اتعالجوا مشوهم ف نفس اليوم، اللي متربط و اللي ساحبينه معاهم و بيتسند عليهم، لسه فاضل تلاتة ف الجروح و الكسور.
نذهب للأسانسير المفترض، المستشفى في قمة القذارة أكثر مما يمكن تصوره في أي مستشفى حكومي،لا نفضل الانحشار في الأسانسير فننتظر الذي يليه و الذي يتأخر طويلا.
تشاركنا الصعود ممرضة ترتدي جلبابا رجاليا أبيض اللون تظله بقع من آثار طعام لم يجف تماما و تحمل على كتفهاطفلة تأكل خوخا و تمسح فمها و أنفها في جلباب الNURSE
ننزل أولاً للدور الرابع- قسم الجروح، نسأل أحد المرضى بصوت خفيض "ازيك هو موش حضرتك من حادثة العساكر بتاعة الأمن المركزي؟ يشير لنا للعسكري الوحيد في سرير بأقصى العنبر.. ثم نرى "خلف"
خلف أم إيهاب أم عب سلام ؟؟
أحد الجرحى ممن كانوا في السيارة و رغم الجروح البادية فإنه أخبرنا أنه كتب له خروج و لكنه عاد خلسةً ليرى "خلف"
خلف ينكر اسمه و يقول "أهاب عبد القادر م المنيا- مغاغة” "
ثم ..عادل
ثم .. إبراهيم
عايز اشرب
هاتوا لي أمي
عطشان
نقرأ بجواره ورقة عليها اسمه الحقيقي كما قال من حوله "خلف"
قالوا لنا أنه حاول الانتحار صباح اليوم باستخدام سكين طعام، و أنه دائم الصراخ في أوقات متفرقة من النوم، موقظا العنبر كله- خلف يشترك في الحجرة مع 11 شخصا آخر!
بجواره كلابشات حديد كانت في يده و فكت لبعض الوقت في وجود أحد زملائه المجندين، الذي قال أن خلف "متهم" كونه سائق السيارة، هائما مستلقياً على السرير بلا ملابس مغطى ببطانية جيش، تبدو آثار اللا نظافة و اللا اعتناء واضحة على عينه و في الأذن، إصابات الوجه و اليد واضحة والتي حتى لم يهتم احد بغسلها جيداً من الأوساخ بالأخص حول مكان الإصابة رغم مرور 6 أيام على الحادث.
يبدأ خلف في الغناء ثم في بعض "الحركات" بوجهه ناظرا يمينا و يساراً في سرعة فجائية ناطقاً جملا غير مفهومة ثم ضاحكا بصوت مرتفع، يدخل علينا عسكري شرطة نخبره أننا صحافة فيسألنا هل معنا إذن، نقول له "آه طبعا معانا م الجرنان بتاعنا"، يسألنا عن الإذن بتاع المستشفى نروغ و نزوغ.
لم يكن هناك فائدة من مغافلة العسكري مرة أخرى فخلف ليس لديه سوى هذه الحركات على حد قول أحد المرضى "ده خايف يلبسوه تهمة، و الله بتوع الأمن المركزي دول عالم غلابة ما يعلموهم صنعة و خلاص"
نشكره على النصائح و نعده أننا سنكتب هذه الفكرة، في طريقنا للسلم نرى جوالين بلاستيكيين جمعت فيها قمامة كثيرة متنوعة المصدر بين بقايا طعام و بقايا جراحات، لا تنس أنت في مستشفى، ينتظران دورهما لأن سيارة نقل القمامة امتلأت عن آخرها، هكذا لاحظنا عند خروجنا من المبنى.

نصعد على السلم لقسم الكسور، لن نتحمل تجربة الأسانسير مرة أخرى، في الغرفة الأولى نقابل أحد الجرحى و يرافقه زميل تصادف حشره في سيارة أخرى غير التي تعرضت للحادث، يشعر بخوف، يسألنا هل سيجدون له عملا بعد أن يشفى في الجيش؟ من هؤلاء و أي جيش يقصده؟ لكننا نكرر الجمل المصرية المغرقة في ضبابيتها فنقول "ربنا يسهل،كله بأمره" فيرد "و نعم بالله" فتجاوبه "ما البني ادم مننا برده مفروض ما يستكترشي حاجة على اللي خلقه" يرد "أي و الله"
و هكذا كنا نساير أسئلتهم القلقة حول مستقبلهم بعد الحادثة بهذاالحوار العبثي، لا نملك أن نقول لهم انتم ليس لديكم دية عند هذا النظام؛ فبينما شيع الضابط المتوفى بالحادث في جنازة رسمية، نسأل كيف دفن العساكر الستة؟ وأي تعويض أدبي أو مادي حصلت عليه أسرهم؟ أي مستقبل ينتظر من بقى على الحياة بعاهة مستديمة؟

أحد الجرحى (جمال- 22 - أكبر أشقائه الأربعة) :
يرقد بجروح و كسورة في معظم أجزاء جسده، مرتديا جلابية فلاحي، و على قائم السرير وضعت ملابسه الميري السوداء مغسولة في إنتظار أن تجف!
"طلعنا من معسكر العبور لحد كوبري ستة أكتوبر القريب منا خبط ع العربية لما السرعة زادت خالص، خفنا، ما حسيتشي بنفسي غير ف المستشفى "
"العربية بتاخد فوق ال 30 مجند"
عن كيف يتلقفون الأوامر بالتعامل مع المظاهرات يقول:
إحنا بيدونا التعليمات م الساعة 12 بالليل قبلها بيوم بيقولونا لما تكون في مظاهرة مثلا إن علينا مهمة "تأمين مظاهرة سلمية"القائد بيفهمنا "إقف باحترام و امشي باحترام و ما تخليش حد يعدي و ما تطلعشي حد غير لما تاخد أمر من ضابط، ما تتكلمشي مع حد"
شهادة جمال حول مذبحة اللاجئين السودانيين 30ديسمبر2005:
"قالوا لنا يوميها الصبح بدري أن في ناس محتلة ارض ف مصر و لازم نطلعهم منها،... و بيطلعوا ع الشوارع يخوفوا الناس ف الحتة و ياخدوا منهم محافظهم، و قعدتهم ف المكان ده موش ولابد يعني... لما رحنا أنا كنت عند الأتوبيسات بندخل أي حد يطلع م الجنينة و نخليه يركب الأتوبيسات"
نسأله هل علمت بحدوث وفيات بين اللاجين، يقول "شفنا ناس بتطلع م الجنينة مغمى عليها أو مجروحة بس، ماكنشي حدج منا يقدر يدخل الجنينة عليهم"
شهادته عن الانتخابات النيابية نوفمبر2005:
ف الشرقية روحنا الانتخابات اتحاصرت 3 عربيات و هجم ناس بالطوب طلعنا م العربيات قنابل دخان و الناس هربت و اتفك الحصار عنا
شهادته يوم تمزيق علم مصر 26أبريل06و الهجوم على المعتصمين أمام نادي القضاة:
"يوم ما قطعوا العلم إحنا كنا ف عابدين بس زملاتنا رجعوا و حكوا لنا، مش إحنا اللي كنا بنضرب دول ناس من إقسام الشرطة ماهوماش مجندين "

نسالهم إذا كان أحداً من أهلهم قد جاء لزيارتهم يقول "ابويا جه زارني تاني يوم بس مافيش مكان يبات فيه و رجع البلد تاني.......أنا مزارع و موش عارف لو ايدي و عيني راحت ها أعمل إيه... همه ها يصرفولنا حاجة يا افندم؟
كامل المنصورة – 21 سنة

الساعة 6 صباحا كان لدينا خدمة عامة( عرفها لنا بأنها مهمة خارج المعسكر) كنا 6 سيارات في رتل و المفترض أن نكون في المكان قبل السادسة صباحا أسرعت آخر سيارة في الرتل لتلحق بسابقاتها سمعنا ارتطام شديد، نزلنا من السيارات و طلبنا من بعض أصحاب السيارات الملاكي الاتصال بقائد المعسكر بهواتفهم المحمولة، "إحنا زعلنا قوي على زمايلنا اللي ماتوا، ماهم كانوا اخواتنا برضك، واكلين و شاربين مع بعض،ربنا يصبر أهاليهم"
و أضاف "بقى لنا كذا خميس ورا بعض نشد خدمة ف المظاهرات عشان نأمِّن المكان و نحافظ على الناس...الضباط بيقولوا لنا ما تتحركوش إلا بأوامر...نضرب بالعصيان بأمر الضباط بس... و أنا عن نفسي آخر مرة كنت بهوش بس ما بضربشي... إحنا عندنا قلوب برضه و تراحم... انشديت خدمة قبل كده ف جامعة عين شمس و ماتشات الكورة لكن الخدمة ف المظاهرات تعب قوي بس لازم ننفذ الأوامر “
طب إيه رأيك ف بتوع المظاهرات؟
"مالناش دعوة بيهم و لا باللي بيقولوه.. لو ليهم حق ها يخدوه.. لو موش على حق لازم نخدهم "
يضيف
“من يوم الحادثة و أنا حزين موش قادر انزل خدمة تاني، سمحوا لي أقف مع زمايلي و أرافقهم ف المستشفى، كلنا حزانى و تعبانين "
قال أيضاً
“اشتركت في خدمة في الشرقية ساعة الانتخابات،حمينا القائد، دايما معانا سلاح كاس، يعني و غازات و قنابل مسيلة للدموع و خرطوش... أيام الانتخابات كان في أوامر بمنع الناس من دخول اللجان خصوصا الإخوان: عشان المشاكل... و ساعات كنا نمنع الناس كام ساعة و بعد كده تجينا أوامر فنسمح ليهم يدخلوا"
نخرج ممتئلين كآبة من جو هذا المستشفى ومأساة هؤلاء الغلابة، نجونا من العسكري الذي لم يرنا في خروجنا.
_____________________________
ننتظر أي باص فلا نجد، نذهب لمحطة أخرى سيراً و كلنا، ننظر في العيون، كلها عيون خلف، تزداد مشاعر الغضب لدينا.
الطريق بطيء جدا نفكر أن نذهب للمطعم القريب لكننا نزهد الطعام الآن، كما إننا لا نأمن أن نجد النقابة محاصرة بعشرات من أمثال خلف فيمنعونا من الدخول.
نصل للنقابة و نشرب الشاي و لكن الصداع العجيب لا يختفي.
عندما يكتمل شمل المتظاهرين نلاحظهم، عشرات من الأمن المركزي فقط هذه المرة، نتراجع لخلف العمود الذي يوجد أمام مبنى نقابة الصحافيين ننظر من خلف العمود : كل وجوهم بلون واحد لون 3 سنوات من الوقوف في الشمس بلا طائل لإغاظة المتظاهرين ضد النظام! معظمهم حدد حاجبيه بموس الحلاقة المستخدم بينهم ربما للمرة الألف أو الملقاط الصديء، لون دمائهم تحت الجلود طافح بما يعانيه هؤلاء من سؤ التغذية، أتذكر فجأة اختبار الأنيميا الذي يظهر عند الاتكاء براحة اليد، كفوفهم كلها تجري الاختبار ذاته على القوائم الحديدية التي تفصلنا عنهم، نقول لهم عن زيارتنا لأشقائهم الجرحى و نريهم الصور، عن الإهمال في علاجهم و تعويضهم، نلمح الدموع في عيني أحد الجنود ثم يأخذ نفسا عميقا يعيد له توازنه مقطبا جبينه. نتحدث لهم عما رأيناها قبل قليل، أنتم أداة لا أكثر، ليس لديكم دية عند هذا النظام، يضيع من عمركم 3 سنوات بلا فائدة،"إحنا منكم و عليكم، إحنا موش أغراب عنكم، فينا اللي من بحري و اللي من قبلي، حظنا إن أهالينا تعبت شوية و علمتنا، فلقينا شغلانة، نحن هنا لأجل كل المظلومين و المسحوقين، إلخ تجيب شفاه قليلة حينما تأمن أعين الضباط "طب نعمل إيه"
الأربعاء- الخميس 17 -18 مايو06 :
نراهم من جديدفنكتب لوحة تقول "إخواننا عساكر الأمن المركزي إحنا بنتظاهر عشان الغلابة و ضد الظلم" نمر بها عليهم و نقرأها، ترى هل يعرف الجنود شيئا عن أحداث الأمن المركزي1986؟ هل شاهدوا فيلم البريء؟ هل يدركون عبث ما يفعلون؟
نوعز لبعض الشباب أن يقوموا بتنوير للجنود "لماذا نحن هنا" و كيف أنكم "الحلقة الأضعف التي يسحقها النظام" الأستاذ مجدي حسين يمسك المايكرفون و يوجه لهم حديثا من القلب يستمعون له بإصغاء حقيقي و تعجبهم بعض قفشاته.
عندما يبدأ البعض في الغناء المنفرد نطلب منه أن يوجه صوته من حين لآخر لهؤلاء “بص يا.... اعتبر إن سلم النقابة ده مسرح روماني و إن العساكر دول متفرجين، وغني عادي، إديهم إحساس إننا موش بنحتقرهم و لا احناش ضدهم، بص لهم من وقت للتاني"
و عندما يعود القضاة من جلستهم و ينتهي اليوم نخرج من نقابة الصحافيين لنجدهم جميعاً قد رحلوا، تحضرنا فقط في نفس أماكن وجودهم صفوف متوالية من "العيون المركزية"، عيون كلها حزن و روح منكسرة و دموع جامدة.

الهدف الجديد للتظاهرات المحاصرة سيكون هؤلاء.
تحقيق:سامية بكري- أميرة الطحاوي

S C