السبت، 14 سبتمبر 2013

حجابُ أميرة #Sudan #Egypt

أميرة الطحاوي
ما هو الأقسى عليك كامرأة: أن تضربين من جندي وتدفعين للوقوف وجهك للحائط وتسجنين لأسابيع دون محاكمة لأنك رفعت لافتة ضد النظام؟ أم يوجه لك السباب من جندي أيضا ويطلب موظف أن يدقق في فتحة سترة ملابسك العلوية وتحاكمين لأن طرحة رأسك انزاحت عن موضعها قليلا؟ تستطيع "أميرة عثمان" المهندسة والناشطة السودانية أن تخبرنا لأنها مرت بالتجربتين خلال عام واحد.

ليس هناك قانون في السودان يجبر المرأة على ارتداء حجاب للرأس محكم بالدبابيس أو الربط على رأسها، لكن هناك عقوبة على من تخالف "الزي الشرعي" دون تفصيل له. وهناك عقوبة على من تسيء للمشروع الإسلامي الحضاري بالسودان (مرة أخرى لا أحد يعرف ما هو) وتجلد فيه النساء لارتداء بنطال فضفاض أو الجلوس في الطرقات للبيع حسب مزاج من يقبض عليهن. تقول سيدة سودانية أنه من الصعب أن تقنع الناس أنها جلدت لأنها تبيع الشاي في الشارع مثلا، حيث سيذهب فكر العامة لأنها أتت "منكرا مستنكرا" من الفعل وبالأخص ما تعلق منه بالجنس "كيف أقنعهم أنني جلدت في طرحة وليس لوجودي في بيت دعارة؟" النظام هنا يعرف وقع الأمر مجتمعيا ويستخدم هذه الفزاعة في مزيد من الترهيب.

مثلت "أميرة" للمحاكمة الأحد الماضي، بعدما أوقفها أحد عساكر شرطة النظام العام(المعنية بتطبيق أحكام قانون فضفاض يخص في جانب منه الملابس وما شابه) بينما كانت تجرى معاملة في مكتب عقاري، ينهرها الرجل وسط الحضور طالبا منها رفع الطرحة التي سقطت على كتفها، ثم يسوقها للحجز لتجد نفسها في غرفة وسط زجاجات خمر صودرت سابقا، إهانة أخرى، انتظر هناك المزيد:يسألها ضابط آخر عن قبيلتها، ويطلب ثالث أن يرى هل فتحة "بلوزتها" تظهر "صدرها" مع وضع الطرحة أم بدونها..ترفض هذا الإذلال من نفر مهووس بجسد المرأة وقدر ما يظهر ويختفي منه، ثم يقولون لك أن هؤلاء يقومون على تطبيق "المشروع الحضاري" وهو المصطلح الفضفاض الذي ساقه البشير والترابي، بعد وصولهما للحكم عقب انقلاب عسكري مدعوم من الجبهة الإسلامية في 1989 ، ثم ما لبث أن غدر الأول بالثاني بعد 10 سنوات، لكن ظل تسويق الأوهام وتوظيفها قائما حتى الآن.

تضامن النشطاء مع أميرة، كما تضامنوا مع غيرها من قبل، مثل لبنى التي كتبت شخصيا عنها للإعلام الغربي في 2008 عندما حوكمت بسبب ارتدائها بنطالا فضفاضا (!) وكان صعبا علي أن أفسر للقاريء الأمر، تجلد سيدة لأنها ترتدي حجابا وملابس واسعة، وظننت في زيارتي بداية هذا الصيف للسودان أن الأمور تحسنت، ورأيت بالفعل العشرات من الفتيات والنساء يخرجن للحدائق والفنادق بدون حجاب، لكن انتبهت إلى أن هناك دائما قطعة قماش حول أعناقهن أو في حقيبة اليد، قد يضطررن لإظهارها حتى لا يتعرضن لسخافة من أحد رجال النظام العام. هل لاحظت كيف أهين الحجاب في هذا البلد؟ قطعة قماش مطوية بإهمال وربما تنقل من حقيبة لأخرى فيطالها التراب وطول المكوث، الحجاب المفروض بالترهيب والجلد يصبح "قطعة قماش" لا أكثر.
تطور غطاء الرأس في السودان مجتمعيا، ولم يكن مفروضا قانونيا، وفرض على النساء تغطية الوجوه في عهد الدولة المهدية القصير (1885-1898) وفي فترة من عهد نميري بالسبعينات كان غطاء الرأس يفرض فقط على تلميذات المدارس المتوسطة، لكن الأكبر منهن من طالبات الثانوية كن يخيرن بينه وبين التوب التقليدي الذي "قد" يظهر الرقبة والأذن وجانب من الشعر، أي أن الأمر كان تنظيميا ولم يكن يتعلق بإلزام ديني.
وفي دراسة هامة للباحثة السودانية "أماتي عبد الجليل" تتناول تاريخ غطاء الرأس في بلدها، للرجال والنساء، من أديان مختلفة، توضح كيف تدرج نظام البشير في فرض غطاء الرأس على النساء المسلمات في الشمال، ولعل باحثا آخر يقارن هذا مع النظام الإيراني منذ 1979 الذي أتى لبلد معظم سكانه من المسلمين، وبعد عامين أو ثلاثة من العمل وسط أناس غالبهم مهتم بالإلتزام الديني، فكان فرض الحجاب أسرع، والنص الصريح عليه أجرأ، وإن كان خروج كثير من الإيرانيات عنه وتحايلهن عليه أكثر وأسرع أيضا. فكل ما يفرض في فترة زمنية قسرا ليس بالضرورة سيقبل شعبيا وإلى الأبد.

وقد عرض المتعاطفون السودانيون مع أميرة "وأخواتها" صورا ومقاطع وسردا لقصص مشابهة، وتظاهروا داخل البلاد وحتى عبر شبكات التواصل المجتمعي على الانترنت، وحاول فريق آخر أن يستنكر فكرة الجلد كعقوبة، باعتبار أن الجسد البشري ليس موضعا لعقاب بتعذيبه، وعلى ماذا؟ على جريمة تخص الحريات الفردية.

وطالب السياسي "الصادق المهدي" في خطبة الجمعة بمراجعة كافة القوانين التي تحرم المرأة حقوقها في المساواة في المواطنة، وعلى رأسها قانون النظام العام ورفع الملاحقات للنساء بسبب المادة 152 من القانون الجنائي، معتبرا أن مجتمع الفضيلة والاحتشام المطلوب شرعاً يقام أولاً بالتربية وبالقدوة الحسنة وبالرأي العام، والزي المطلوب للنساء المؤمنات طوعي لا يفرض فرضاَ.
والقيود في السودان ليست على النساء فقط، في بلد يقتل فيه الآلاف في الغرب مثلا وتنتهك أجساد بعض نسائه، فقانون النظام العام مقيد للحريات بما فيها حرية التجمع والتعبير ويطبق بانتقائية وتعسف، وقد أعتقلت بسببه أميرة من قبل لمجرد هتاف ولافتة ضد النظام صيف 2012، ولك أن تعرف أن طالبا حاول التقاط صورة لجلسة محاكمة أميرة بسبب الحجاب فحكم بالجلد 40 جلدة! ويبقى التعذيب والامتهان الذي تتعرض له النساء يتجدد ويتعاظم مؤخرا بعد فترات متقطعة من التساهل لأسباب براجماتية يطول شرحها.

وقد أجلت محاكمة أميرة لـ19 سبتمبر أيلول، ويشير البعض إلى أن التعرض لها تحديدا يعود لنشاطها في "مبادرة لا لقهر النساء"، لكن قانونيا كل نساء السودان معرضات لنفس المصير، غير أن كثيرا منهن يؤثرن السلامة حتى لا يتعرضن للموقف العصيب والإهانات التي تعرضت لها أميرة من قبل رجال النظام، وهو ما يمكن تفهمه، وإن كان الأمر يستدعي خرقا جماعيا لهذا القانون من كل نساء السودان. محجبات أو مضطرات للحجاب بالخروج ضده، متكاتفين معا، ضد قوانين متخلفة ومتعسفة ومهينة لهن.
----
*كاتبة مصرية

S C