"المجاهيل"
في مصر
أميرة
الطحاوي
ضمن
تقرير صحافي، استوقتني هذه العبارة "أشار
المصدر إلى أنه تم التعرف على هوية المجاهيل
عدا 8 مجاهيل
فقط لم يتم الاستدلال على هويتهم
"
كان
يتحدث عن 8 جثث
غير معلومة الهوية من بين 91
قتيلا
لمناصري الرئيس المصري المعزول مرسي في
اشتباكات "المنصة"
مع الأمن
في 26
يوليو
تموز، العبارة وردت بطريقة عادية، وبعد
أيام أصبح مثل هذا الأمر عاديا أكثر، عدد
"المجاهيل"
وعدد
الجثث"
المعروف
أصحابها، في بلد لم يشهد تاريخها هذه
الأحداث الدموية وبتلك الكثافة، وقد تفلت
الأمور حتى إذا ما تراجعت كل الأطراف
وقررت تحكيم العقل بات صعبا العودة؛
فالحروب الطائفية أو الأهلية في بلدان
عدة حولنا لم يكن لها موعد إعلان أو تدشين،
بل بدأت بتكرار مثل هذه الحوادث ثم استمرت
لسنوات.
عندما
تبدأ مثل هذه الشرور لا تنتهي بقرار
أومؤتمر مصالحة.
كل
الأطراف مسؤولة بصورة ما، بمن فيهم من
يستسهل القتل، من رجال أمن، أو نظام يعطي
إجازة دون ضوابط، أو سياسيين يلقون
بأتباعهم نحو الموت بدعاوى الشرعية
والشهادة والدفاع عن الإسلام، وفي معارك
بعضها مفتعل.
والإعلام
الذي يغالط ويهلل ولا يعلي صوت العقل.
وعندما
تسمع عبر إعلام الدولة ورجال الأعمال
إشادة متكررة بطريقة فض إعتصامي رابعة
والنهضة
(التي
لم تلتزم بالتدرج الزمني وغيرها من
المعايير المتعارف عليها)
بينما
ترى بعينك إطلاق النار على مصابين في
طريقهم لمستشفى ميداني، وعندما تسمع
تكذيب الإخوان لشهادات وصور ومقاطع تظهر
بوضوح بعض أنصارهم يلجأون للعنف، ويحملون
السلاح في عرض الطريق أو خلف سواتر، تدرك
أن الطرفين يخاطبان جمهورا آخر، مخاصمين
الضمير والحقيقة.
الحديث
عن سؤ أداء الشرطة أو تقصدها (أحيانا)
للعنف
مطول، ويقوم به الإخوان بالفعل، لكن وفي
وقت الأزمة قد ينبغي أن نشير لما تتحمله
قيادات جماعة الإخوان وتيارات اليمين
الديني نفسها، والتي أصبح عدد القتلى
لديها هوسا (متحدث
الإخوان للإعلام الأجنبي يدعي أن هناك
أكثر من 4 آلاف
قتلوا) .
تفننت
قيادة اعتصام رابعة في استثمار حوادث
العنف وسقوط ضحايا؛ فبعد خروج نعوش ضحايا
أحداث المنصة، وتشييعهم، أقيم بعدها صلاة
الغائب عليهم، ثم أعلن عن عزاء وسرادق
بالطريق، ولثلاثة أيام، وأين ؟ في شارع
رئيسي بمدينة نصر الغاضب كثير من سكانها
من الاعتصام متضررين منه.
هل سأل
أحد عن أسر المتوفين؟ هل قدمت مساعدات
لهم؟
وبعد
إجازة عيد الفطر وتوقف المفاوضات خرج
الإخوان وأنصار مرسي في عدة تظاهرات انتهت
باشتباكات مع الشرطة والأهاليثم
وكيفما اتفق:
بكاء
وعويل. وعقب
فض اعتصامي النهضة ورابعة، أعلن الإخوان
عن مظاهرات جديدة عصر الخميس، قبل حتى أن
يدفنوا ضحاياهم أو يتعرفوا على أسماء
"المجاهيل"
منهم.
وعندما
كان يرغب الإخوان في التحفيز لمخططاتهم
لإدارة الإعتصام، بتوسعته أو تحصينه
خارجيا، تسمع نداءهم أو بالأحرى صراخ أحد
قادتهم "من
يبايعني على الشهادة"،
أو "نحتاج
لخمسين شهيدا الآن"،
و عندما يتحدث أنصار مرسي عن الشرعية فإن
بعضهم يفهمها كشرعية الحاكم بتأويلها
الديني. يتماهون
مع أحداث
بعينها في التاريخ الإسلامي، حتى إذا
حدثت أحدهم عن تقديس الحق في الحياة وأشرت
للآية "ولا
تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"
اعتبرونك
قليل الإيمان!
ما
كل هذا الإصرار على عدم تجنيب أنصار قضية
ما الصدام والموت؟
وما هذا التساهل والترحيب بوجود مسلحين
وسط آلاف المتظاهرين السلميين؟ هل صعوبة
النجاح في انتخابات قريبة هو سبب التمسك
بهذا الخيار في التصادم لسقوط ضحايا ومن
ثم اكتساب تعاطف؟ ربما.
ما
يحدث من ومع الإخوان وأنصارهم الآن خبرة معقدة،
وستحكم وتتحكم في الكثير في الفترة القادمة
بمصر. وهذا
المسلك المستهين
بالحياة لن
يخدم أحدا يريد حقا الاستمرار
والتواصل مع الشركاء في نفس الوطن وبناء
ما هدم منه، وهو ليس بالقليل.
هذا
ليس لوما على من راحوا ضحايا كما سيحلو
للبعض تصدير هذا الرد، ولكن الانسياق
والتعبئة النفسية الكبيرة تجاه "الموت"
من أجل
ضياع الرئاسة من حاكم أقل ما يوصف به أنه
"فاشل"
، وتصوير
أنفسهم بالضحايا طوال الوقت، دون أي
مراجعة أو نقد للذات هو فشل عملي وسياسي،
سيبقى فشلا حتى لو سقط منهم المئات.
وطالما
قوات الأمن
(التي
لم يهتم مرسي أبدا بتطهيرها من المتورطين
في التعذيب أو تحسين أدائها المهني بما
يقلل الضحايا الأبرياء المحتملين لأي
تدخل) لم
تغير حتى الآن مسلكها ولم تحسن أداءها في
التعامل مع العنف باستهداف من يقوم به
وليس إطلاق الرصاص في كل صوب، سيكون على
بقية الأطراف ضبط النفس وعدم فتح مجال
لقائمة أموات جديدة.
الوطن
يحتاج لأحياء إذا كنتم تريدون لأنصاركم
ولهذا البلد خيرا، هذا الذي زعمتم أنكم
تحملونه لمصر.