تحليل مضمون التعليقات على المواقع
الإليكترونية بما فيها مواقع التواصل الإجتماعي، خاصة تلك التعليقات التي تأتي من
جيل ما دون العشرينات، أمر مسلي، وقد يكون مؤشرا له مغزى ودلالات على شيء
(وأشياء!) إذا جاءت التعليقات تلقائية ومباشرة ومتزامنة مع حدث أو خبر أو حوار. لا
يمكن أن أطلق لفظ حوار على ما قامت به المذيعة المسكينة، المحدودة في كل شيء
باستثناء طول رموشها "ريهام سعيد" مع سيدة تقول أنها ملحدة (ومؤمنة
ومسلمة وناقدة لأركان الإسلام وغير مؤمنة بمحمد ومؤمنة به معا!) . هذا ليس إعلاما
ولا حوارا ولا بطيخا.
لكن ما أن أذيعت الحلقة، وتوافر للتو نسخة
إليكترونية منها عبر اليوتيوب؛ حتى تداولها الآلاف في دقائق معدودة على الفيس بوك،
وترواح غالب التعليقات الأولية الممتلئة بالحزن والغضب والاستعداد للشهادة والنضال
وتغيير خارطة العالم والكواكب والمجرات الشقيقة، بين تهديد ووعيد بقتل السيدة، ثم
تطوع البعض بتقديم مؤشرات على أماكن يحتمل أن توجد بها في نطاق العمل أو السكن أو
حتى أثناء سفرها. وقبل أن تنقضي الساعة كان عنوانها قد ظهر وأرسل من أشخاص مختلفين
لأشخاص آخرين عبر الفيس بوك، ليستقر في صندوق "الـ other"
وهو أحد الاختراعات الجيدة القليلة التي منَّ
بها علينا الشاب مارك زوكربيرج، مالك الفيسبوك.
ليس خافيا على متابع (واقعي، لديه بعض العقل)
أن هناك من يحرك أو يبارك الاتجاه اليميني الصاعد في مصر بمثل هذه المسرحيات
المفتعلة المملة (وتم تحويل ضيف مماثل في التفكير ظهر في نفس برنامج المذيعة
العجيبة للمحاكمة عقب اذاعة حلقة السيدة أمس الأول)، هناك من يفضل أن يسير وراء
هوى الشارع، وقد يساند توجيهه في مسار مشابه للهوس الذي كان يمارسه مرسي وجماعته،
لكن الفارق هنا أنه يجري خصخصة الدين بالطريقة التي يهواها النافذون الجدد، السيسي
وشركاه، سيكون الإسلام أحد الوسائل، بطريقتهم وباشارة من اصابعهم، سيوظف في حدود
ولصالهم بالطبع.
قد يكون الأمر (اتجاه عام بين الشباب لتحبيذ
فكرة قتل شخص مختلف في الرأي) ليس مزعجا للبعض، باعتبار انها "هلفطة"
انترنت، لكن هذه هي طريقة تفكير الكثيرين في بلدنا، هؤلاء النسبة الأكبر من سكانها
شئنا أم أبينا. القتل. ربما لن يجرؤ واحد من كل ألف من هؤلاء الغاضبين (لفظيا) على
حمل سكين (عمليا) ، لكن من بين ألف وواحد ستجد من يحمله وربما يستخدمه.
فكرة اختلاف شخص عن المجموع تؤرقهم، وما يقال
عن قتل ما يسمونه الكافر أو الملحد تجد رواجا، والدستور يحترم حقوق الإنسان، ونحن
نحترم الدستور (تظاهر أن هذا ما يجب أن يحدث) ، والدستور طلب منا أيضا احترام
الإسلام والشريعة، والشريعة هناك من يفسر فيها ومنها وبها، وهنا اللعبة صارت
"ماسخة". إما احترام حرية التعبير، والمعتقد والفكر بالطبع، أو تعديل
النظر للفكرة العجيبة بقتل من يرفض هذا الدين أو ذاك، أو يغير دينه. الله يعرف عنوان السيدة (المسكينة أيضا غير
مترابطة الافكار ولا الهدف) جيدا، لا ترسلوا لي فلن أقتلها، الله يستطيع فعل هذا
إذا أراد عقابها، لا تتخيلوا أنكم رسل جدد لتنفيذ عقوبات إلهية تظنون فيها، الدين
حمال أوجه، وقتل نفس ليس من مهامك كمواطن، وشكرا لكم ولمارك.