الأحد، 6 نوفمبر 2011

جنوب السودان: لا الزواج بأجنبي جريمة ولا اعتقال صحفي هو الحل

نشرت عدة مواقع قبل يومين بيانا يدين حكومة جنوب السودان لأنها اعتقلت صحافيا "نقور أرول قرنق" بسب ما نشره عن زواج ابنة رئيس الدولة سيلفا كير مَيارديت، وأغلقت الصحيفة الوليدة "ديستني- المصير" التي يعمل بها، ولم يكن قد صدر منها سوى عددين. اغلاق صحيفة بدون حكم قضائي أمر يستحق الإدانة. والادانة نفسها تسري على اعتقال صاحب قلم. الغريب أن صحافيا آخر في نفس المؤسسة - ويعمل في طبعتها العربية هو " ابراهام مليك" جاء لزيارة الصحفي المعتقل فحبس معه! قالوا أن تحريات "الأمن الوطني : وهو نفس الجهاز سيء الصيت في السودان الموحد سابقا ويقابله أمن الدولة في مصر" التحريات دلت أنه كتب مدافعا عن زميله، وما أن قام بزيارته إلا ووجدت ادارة السجن فرصة لاعتقاله معه!. وهو أيضا أمر ثالث يستحق الإدانة.
بدورها بررت حكومة جنوب السودان اعتقال الصحفي الأول بأن الزواج أمر خاص بالعائلة وليس للنشر عنه. اعتذرت الجريدة وطالبت بأن يكون اغلاقها لشهر فقط، لكن الحكومة أصرت!.

لكن ماذا كتبت الصحيفة حتى يحدث كل هذا؟ انها لم تتحدث عن الزفاف وتفاصيله أو تكلفته كما قد يخمن البعض. لقد هاجم مقالُ رأي بها  زواج "نيان بيني" ابنة سيلفا كير من "مهاجر اثيوبي" معتبرا أن الأجانب وبالزخص الاثيوبيين "يستولون على اقتصادنا" وها هم بهذا الزواج "يدخلون بيت الرئيس" ويسرقون "فخرنا الوطني" علي حد قوله. وأن هذا الزواج اهانة لنضال رئيس وشعب جنوب السودان، الذين حرموا حتى من الاحتفال (لاحظ هنا أن مثل هذه الاحتفالات لها مكانة وتقاليد، وينتظرها المواطنون بشغف، المقال يتحدث بمرارة لأن الشعب حرم من طقس تقليدي، فالزفاف كان محدودا جدا) ثم ينتقل ليتهم الزواج ومن قام به من رجال دين بأنهم شاركوا في "خطيئة". المقال- المدرج أدناه- يوضح أن الأمر ليس مجرد اعتقال صحفي لأنه تحدث عن أمر أعتبر خاصا بأسرة. وبالمقابل تحدث الصحفي بحماس شديد وصل لحد الحكم على ما حدث بالجرم والخطيئة، فما كان من الحكومة إلا أن ردت وبطريقتها بهذه الاجراءات ضد المحرر والصحيفة معاً.


والمصير (الطبعة العربية من ديستني) هي أول صحيفة عربية في جنوب السودان وقد صدرت في فبراير شباط من هذا العام أي قبل أن يستقل الجنوب فعليا. لم تراعي الحكومة أيضا هذه النقطة.

نحن هنا أمام صحافة تتحدث بحرية تصورت أنها موجودة، وان كانت تنطلق من أفكار وميراث قبلي ولديها مخاوف شديدة ضد الآخر خارج حدود الدولة الجديدة، وتبالغ في وصف ما حدث بل والحكم عليه سلبا. وأمام حكومة تتصرف بميراث قمع لا يتقف مع دولة جديدة تقول أنها تحترم حرية الرأي وسيادة القانون. لتنظر حكومة الجنوب شمالًا لتعرف أنها أخطأت، زو يالأحرى كررت أخطاء غيرها، وأنه أيا كان ما جاء بالمقال فإن اغلاق الصحيفة بقرار من السلطة التنفيذية، واعتقال محررها لن يمنع نفس الأفكار قد تتردد الآن (وتنتشر أكثر) بين مواطني الدولة. 



S C