الخميس، 7 يوليو 2011

مصر: من الذي يدفع حقا تجاه عدالة الشارع لا القانون؟ #Suez #Tahrir #NoSCAF #Jan25

مصر: من الذي يدفع حقا تجاه عدالة الشارع لا القانون؟ كتبت/ أميرة الطحاوي
واحدة من بين ثلاثة نساء من الزاوية الحمرا، فقدن ابنائهن في مظاهرات المطرية يوم جمعة الغضب ٢٨ يناير، وحتى الآن لا تعرف أية واحدة منهن أين تتوجه فقط لترى وجه قاتل ابنها في قفص الاتهام، هذا هو مطلبهن الأول والأخير الذي نقلته “أم أحمد” في حديثها معي، هي مطلقة منذ عشرين عاما( تقريبا منذ كان صغيرها في الثانية من عمره) لا تخجل أن تقول أنها بحاجة للعمل ولو خادمة في منزل؛ فابنها “الشهيد” كان يكفل المنزل جزئيا. ولم تكن تحصل على شيء من طليقها. كنا في مايو، سألتها عن المساعدة التي صرفت لذوي الشهداء ” لا ،لم استلم شيئا”، وأضافت أن الشئون الاجتماعية لم تكتفي بشهادة الوفاة التي قدمتها كاثبات على أنها قدمت ابنها شهيداً لهذا الوطن، وطلبوا “أوراقا” من النيابة. ثم تعقيدات عمن هم المستحقون. ليس كافيا بالنسبة للبعض أن تكون هي من حملت وولدت وربت ثم فقدت سندها في الدنيا وذخرها عند العجز. بانكسار نفس قالت “تعبت من المرواح والمجي”، وبعزة نفس أضافت أنها لا تريد إعانة ولا تعويضا.. ترغب فقط في أن تعرف موعد الحكم على قاتل ابنها! وأن يسمح لها بحضور محاكمته. يــــاه . لو طلبت أن يعود ابنها للحياة ربما كان هذا أسهل. أعطيتها هواتف لبعض المحامين، وفكرت: ان طلبها بالعدل الآن صعب، وربما أصعب مما لو كان ابنها قتل قبل عام مثلا.
لماذا؟ لأن الحاصل ان النظام الانتقالي الحالي يكرس كل جهده لبعض المهام، ويسارع الزمن لتنفيذها كما هو مطلوب منه، أولها: هو حماية القتلة قانونيا وماديا: ينقلهم من مكانهم لآخر لا يعرفهم فيه السكان، يسمح لهم بالاحتماء في مقار مختلفة تابعة لوزارات ومصالح عامة، يسمح لهم بالعودة للعمل في أماكن خدمية قائمة علي التعامل مع المدنين رغم الاشتباه في تورطهم في قتل مدنيين أيضاً، يسحب الجيش قواته من كثير من مناطق القاهرة والمحافظات بعد أيام من تنحي مبارك وهو يعلم أن الشرطة لم تنزل للشارع ولن تفعل، فيشعر الناس بالحاجة لوجود شرطة، يتصور القتلة ان هذا معناه الحاجة لهم هم ونسيان ما اقترفوه، هم الجبناء الذين قتلوا ثم هربوا أمام الجموع الثائرة للمبيت في منازلهم، هم الخونة الذين نفذوا مخطط الانسحاب الأمني المنظم ليتركوا البلاد فريسة للمجهول، يعود بعضهم للعمل فتزداد لديهم صفة الجبار المنتقم التي يحبون أن ينازعوا الالهة فيها، تتقدم الأسر ببلاغات ضد ضباط فلا يعثر لهم على عنوان، يهدد ضباط أهالي الشهداء علناً بالقتل والخطف فلا يتم تطبيق قانون البلطجة الذي أصدره المجلس العسكري عليهم، في شبرا مصر نقل ضابط للأميرية بينما يوجد عشرات الشهود والصور على ضلوعه في قتل شباب بعضهم لم يتعد السادسة عشر من عمره بالتصويب المباشر على الرأس والصدر. في الاسكندرية يرسل ضابط أعوانه ومنذ يوم ١٤ فبراير لأهالي الاسر لمساومتهم ثم تهديدهم ان لم يسحبوا بلاغاتهم ضده. العديد من الضباط يخلى سبيلهم. والوحيد الذي حوكم كان أمين شرطة هارب ودافع عنه وزير داخلية “حكومة الثورة” بصفاقة متقمسا دور القاضي، قائلا أنه سيحصل على البراءة لو سلم نفسه، لأنه كان يدافع عن نفسه: ضد من؟ ضد مدنيين مسالمين يسيرون في الشوارع والطرقات هاتفين ضد الظلم!
ومن ضمن ما تفعله الحكومة الحالية من أجل تحقيق هدفها في حماية القتلة والمتهمين، ما صرح به وزير الداخلية الحالي منصور العيسوي، في السابع من أبريل وبعد قليل من تولي منصبه، أن من قتل أمام الأقسام بلطجي بالضرورة وليس شهيدا، بل انه عبر بمكر قائلا “انهم معتدون باغون وفق الشريعة الاسلامية” يخاطب الحس الديني الصاعد في مصر، وهو طبعا يعرف الشريعة الاسلامية جيدا فقد تولى منصب مدير أمن القاهرة حتى العام ١٩٩٥ وكان من بين انجازاته أن حبس وعذب حتى القتل المحامي عبدالحارث مدني. في تصريحات لاحقة للعيسوي وغيره يصبح الشهيد هو من مات في ميدان التحرير فقط. ثم من داخل الميدان وليس مثلا في عبد المنعم رياض ولا مدخل قصر العيني حيث انتشر القناصة، لأن وزارة الداخلية تدعي الان أنه ليس بها قناصة أبدا، وربما ليس لديها أسلحة ايضا.
المخطط مستمر لتبرئة وتهريب القتلة وبكل شكل، حتي لو كان القتيل رضيعا لا حول له ولا قوة، إنه عمر هاني مدحت، ربما أصغر شهداء ثورتنا، ١١ شهرا، نعم فحسب الوالد هو مواليد ٦ مارس ٢٠١٠، اخترقت رصاصة ظهره وخرجت من صدره عصر يوم جمعة الغضب، وهو على كتف والدته بميدان رمسيس أمام مسجد الفتح، الوالد اصطحب الأم والطفل الي مستشفي الهلال ثم قصر العيني، توفى الرضيع على الفور، والأم أجريت لها جراحة، ادارة المستشفى استخرجت للطفل شهادة وفاة على أنه “ارتجاج في المخ”. يأتي الأب المكلوم لمظاهرات أهالي الشهداء ويسأل الصحفيين: يريد أن يعرف متى محاكمة رجال الشرطة والقناصة والأمن المركزي الذين قتلوا المتظاهرين في رمسيس، في أي محكمة ليحضر ويري وجه القاتل، و يسألهم أيضا: من سيأتي لي بحق ولدي، ويحدد حقه بوضوح: “دمٌ بدم” .
وآخر ما يخطط له المجلس العسكري والحكومة حاليا لاغلاق ملف الشهداء، وانهاء فكرة القصاص من قتلتهم، هو ما تم تعميمه مؤخرا علي الصحف القومية من إعادة تعريف الشهيد، وربط ذلك بتصريح النيابة، وعدم المطالبة بتسريع المحاكمات التي تؤجل لشهور بلا داع والا اصبحنا “نتدخل في عمل القضاء” وقد أكد هذا المعنى د. معتز عبد الفتاح مستشار رئيس الحكومة، كذا نادي القضاة الذي قال انه يشعر “بالضيق والقلق” لأن البعض يطالب او يعلق علي مسار عملية التقاضي. وهكذا في ثلاثة أيام أصبح الشغل الشاغل للجميع التنبيه علينا باحترام القضاء عندما يتعلق الأمر بتسهيل افلات القتلة من جريمتهم.
ان الخطة التي ينفذها حكام الفترة الانتقالية لحماية القتلة تسير بخطى جيدة حقا. وهم على قدر عال من الذكاء بحيث يديرونها في كل فترة وفق المعطيات الجديدة، لكن فاتهم أن شعب مصر قبل ٢٥ يناير غيره بعدها، فكل الدماء التي سالت في الشوارع غيرت فينا الكثير، حاول الاعلام الحكومي والخاص المتواطيء حتى بعد اسقاط الطاغية أن يخفي هول المقتلة الجماعية لكن الأهل والجيران والمارة ممن شاهدوا الموت بأعينهم يعلمون حجم المجزرة، هؤلاء لن يصمتوا، اذا استمرت المماطلة ساعتها ستكون عدالة الشارع هي ملجأ الكثيرين، الانتقام الفردي الذي (لم) يكن مألوفا لدى المصريين سيحدث عاجلا أو آجلا. وسيبقى هناك عشرات مثل ام احمد وابو عمر ومثل أبناء السويس الذين أعلنوا زنهم سيطبقون العدالة بأنفسهم، ويبحثون عن وجه القاتل في كل الوجوه الحليقة المترعة بالزهو الكاذب لأي شرطي

S C