#Sinai عرض لندوة تداعيات تنامي نشاط "القاعدة" والجماعات التكفيرية على الدول العربية، سيناء نموذجاً
شيريهان نشأت المنيري
شكل تنامي نشاط أذرع تنظيم القاعدة، بعد فترة من السكون ، خطرا داخل الدول العربية ، التي لا تزال تعاني أزمات داخلية، بعد ثورات الربيع العربي. ورغم أن البعض توقع تواري التنظيمات الجهادية المسلحة عقب الثورات إلا أنها عادت لتطل برأسها كما حدث في سيناء التي شهدت نشاطا مكثفا لعناصر جهادية مسلحة.
وفي هذا الإطار، نظم المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية ندوة خلال شهر أكتوبر 2012 ، بعنوان "انعكاسات تنامي نشاط أذرع القاعدة والجماعات التكفيرية في الدول العربية والإسلامية، خاصة مصر".
معدلات تنامي نشاط القاعدة :
ركز "علي بكر"، باحث مُتخصص في شئون القاعدة ، على ملامح التيارات التكفيرية في سيناء، حيث أشار إلى أن الجماعات التكفيرية التقليدية الموجودة في هذه المنطقة ، تعتمد في فكرها على القاعدة التكفيرية الشهيرة، " من لم يُكفر الكافر فهو كافر".
وأضاف أن سيناء أصبحت بها العديد من الجماعات التكفيرية، التي يتلقى مُعظمها تمويلاً من جماعات خارجية من فلسطين أو أماكن أخرى. وأن هذه الجماعات لا ترى غضاضة في استهداف المدنيين، كونهم أبناء مجتمع كافر لا يُقيم حدود الله من وجهة نظرهم ، مُستشهداً في ذلك بما تسبب في إثارة الفزع بمناطق مختلفة بالعريش، خلال الفترة الماضية، بعد تعدي تلك الجماعات على بعض المواطنين وأصحاب المحال، لذلك لا يحظى أبناء هذه الجماعات بأى تعاطُف من أبناء سيناء، مما يترتب عليه انتشار هذه الجماعات في المنطقة الحدودية خارج المدن، حيث يمتلكون أسلحة.
وذكر "بكر" بعض الملاحظات على ما أظهرتهُ الحرب التي شنتها الحكومة المصرية ضد التيارات الجهادية المتطرفة الموجودة فى سيناء، والتي يأتي في سياقها العملية العسكرية "نسر"، ومن أهمها أن العملية العسكرية في سيناء عملية في غاية الصعوبة، حيث مساحة سيناء الشاسعة، بالإضافة إلى صعوبة تحديد العدو المطلوب والقضاء عليه، بسبب صعوبة تحديد أماكن وجودهم، والأوكار التي يختبئون فيها، بجانب اكتشاف ضخامة مصادر التمويل لهذه التنظيمات، حيث تبين، من خلال نوعيات المُتفجرات والأسلحة التي ضُبطت، أن أسعارها قد تصل إلى ما يقرب من مليونى جنيه، بخلاف السيارات المضبوطة.
وأضاف أنه على الرغم من هذه العمليات التي تقوم بها قوات الجيش والشرطة في سيناء ، فمن الصعب القول إن هذه الحملة سوف تقضي نهائياً على هذه التيارات، نظراً لعدم معرفة الأمن بكل أعضاء هذه التنظيمات، بالإضافة إلى وجود عناصر فلسطينية في هذه التنظيمات، من الصعب إلقاء القبض عليها، بسبب وجودها في قطاع غزة. وفي النهاية، تبقى الأنفاق الملاذ الآمن للكثير من أعضاء هذه التنظيمات. وبشكل عام، يرى "بكر" أن الحملة العسكرية في سيناء سوف تؤدي إلى انحسار للتيارات التكفيرية، لكن دون القضاء عليها، على الأقل في الوقت الحاضر.
في حين أشار "د.عمار علي حسن"، الباحث في تاريخ الإسلام السياسي والجماعات الإسلامية، إلى أن القاعدة أو التنظيمات التكفيرية بشكل عام مولعة بفكرة الوطن البديل، تلك الفكرة التي وصفها بأن بها قدرا كبيرا من الرومانسية وعدم الواقعية. وذكر أن تنظيم القاعدة بالفعل أوجد في أفغانستان وطناً بديلاً، ثم في الصومال، ثم انتقل الأمر إلى العراق حين تم غزوه، وأيضاً في الجبال الوعرة في اليمن.
وقال: "الآن، وبصحيح العبارة في سيناء". وأرجع ذلك إلى الموقع الجغرافي لها، ووعورة الجبال في وسطها، بالإضافة إلى الانفصال الشعوري الذي حدث لأهالي سيناء، في ظل حُكم الرئيس السابق "مبارك"، بجانب انتشار الفقر، والجهل، وقلة التنمية والإهمال، وأيضاً حالة الارتباك الأمني التي حدثت فيما بعد الثورة، والتي جعلت لتلك الجماعات من سيناء مرتعاً لأنشطتها.
وأضاف "حسن" أن الفرق بين السلفية الجهادية والدعوية يكمُن في بعض المواقف والتجارب، وعدم رغبة البعض في السير في طريق حمل السلاح، نظراً للتخوف من نتائجه وليس أكثر. وقال: "إن الاختلاف بينهُما ككبسة رز". كما ذكر أن القاعدة تحولت إلى أفكار تتبناها وتُنفذها جماعات مُختلفة، دون صدور أوامر مباشرة بذلك.
وأقر فكرة أن ثورات الربيع العربي مثلت درساً حقيقياً لتلك التنظيمات الجهادية، حيثُ أثبتت أن القوة الحقيقية تكمُن في التحرُك السلمي للشعب، وليس في حمل السلاح وسفك الدماء.
مخاطر الفكر التفكيري على الأزمات الداخلية:
من جانبه ، عرف الكاتب والمُفكر الإسلامي، "د.كمال حبيب"، الفكر التكفيري بأنهُ الفكر الذي لا يلتزم بالنسق القيمي والفكري والتشريعي والأصولي الذي أسسهُ عامة علماء المسلمين، منذ بعثة النبي صلي الله عليه وسلم، وعُرف باسم "أهل السنة والجماعة"، ومن ثم فهو فكر على هامش النسق الرئيسي، لما يعتقده عامة المسلمين وعلماؤهم.
وعن أسباب انتشار ذلك الفكر، ذكر "حبيب" أن أهمها هو وجود أزمة عميقة في المجتمع ، حيث إن الفكر التكفيري ينتشر في أوقات الأزمات. كما أن الفكر الخوارجي التكفيري هو فكر احتجاجي، ومن ثم فإنه ينتعش في ظل وجود نظم سياسية تفتقد الشرعية والإنجاز، خاصة في المجال الاقتصادي– الاجتماعي، وأيضاً وجود فائض طاقة في المجتمع لا يتم استخدامها على الوجه الأكمل بسبب غياب المشاريع القومية التي تستوعب طاقة شباب الأمة، إلى جانب التأويل الديني لمفهوم الحاكمية.
وأضاف "حبيب" أن الفكر التكفيري ليس له قبول أو انتشار في مصر، لأن فكرة التكفير تحمل بذور فنائها، وهي غير قابلة للوجود أو الاستمرار، كما أن الفكر السلفي الجهادي الممزوج بالعنف ليس له انتشار أو قبول بعد المُراجعات الواسعة التي قامت بها التنظيمات الكبرى في التسعينيات. بالإضافة إلى أن ظهور التيار السلفي وانتشاره قلص الوجود التكفيري في محافظات الدلتا والصعيد. في حين ذكر أن الفكر التكفيري والسلفي الجهادي ينتشر الآن بدرجة قوية في سيناء، باعتبارها منطقة بعيدة عن سلطة الدولة.
ومن جانبه، عرض "حبيب" لفكرة أن الفكر التكفيري لا يُمثل خطراً على المديين المتوسط والبعيد، وإنما يُمثل خطراً على المدى القصير في أوقات الأزمات. وأشار إلى أن الدولة المصرية إذا استطاعت استكمال أهدافها في العيش، والحرية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، فإن ذلك سيؤدي إلى تهميش الفكر التكفيري والسلفي الجهادي. أما إذا أخفقت التحولات الانتقالية في استلهام أهداف الثورة المصرية، فإن ذلك سيؤدي إلي تعاظُم الفكر التكفيري والسلفي الجهادي.
أما "ضياء رشوان"، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فقد رأى أهمية في ضرورة التعرُف على حالة تنظيم القاعدة، وبالأخص بعد سقوط "أسامة بن لادن"، ذلك الأمر الذي يتطلب التعُرف على حالة تنظيم القاعدة، أثناء وجود "بن لادن".
كما عبر "رشوان" عن تخوفه من أن يكون ما يحدُث في سيناء بداية الأمر، وليس نهايته، فكما نعلم أن سيناء تُمثل مكاناً تاريخياً لمُقاومة العدو القديم والتاريخي، ألا وهو إسرائيل، وأن الجماعات الآتية المُهاجرة لن تُوجه ضرباتها إلا إلى إسرائيل، أو من تعتقد أنهُ يقف دون ذلك.
وقال: "إذا تأملنا الخريطة، فسوف نجد أن سوريا سوف تكون أحد مقرات التمركُز الرئيسية لمجموعات من القاعدة المُهاجرة، وسيناء في الجانب الآخر، وسيكون الهدف النهائي هو مُواجهة الدولة العبرية، بعد الانتهاء من النظام السوري".
وأشار إلى سيناريوهين آخرين في مصر، من المُتوقع حدوثهُما، الأول: هو في حال نجاح الإخوان، والاستمرار في الحُكم، ومُواصلة المسيرة السياسية، والآخر: هو في حال خروج الإخوان من المشهد في الانتخابات القادمة، والتي سيُبرر فيها بشكل كاف بأن الديمقراطية لا تأتي إلا بأعداء الإسلام، وأن الديمقراطية كوسيلة لا يُمكن اعتمادها، لكي نصل إلى مجتمع إسلامي حقيقي.
مستقبل "القاعدة" في المنطقة العربية:
وفي هذا السياق، عرض "د.نشأت الهلالي"، مساعد أول وزير الداخلية، ورئيس أكاديمية الشرطة الأسبق، لأهم الجماعات الإرهابية التي اتخذت من سيناء مقراً لها، وهى: جماعة التكفير والهجرة، ومنظمة الرايات السوداء، ومنظمة السلفية الجهادية، ومنظمة أنصار الجهاد، ومنظمة مجلس شورى المجاهدين، وأيضاً جماعة التوحيد والجهاد.
كما ركز على آليات التصدي لتلك الجماعات، وتحويلها عن أغراضها غير المشروعة، والتي يتمثل أهمها في: التأكيد بصفة دائمة من خلال وسائل الإعلام على وطنية شعب سيناء وما قدمه من تضحيات على مر التاريخ، وأن ما يقع حالياً تقوم به فئات غريبة عن هذا الشعب وأهله، بجانب ضرورة تفعيل دور الحوار الديني الوسطي، والاهتمام الفعلي بمُعالجة موضوعات التوطين، وتملُك الأراضي بشكل عاجل وفوري.
في حين أكد الداعية والمُفكر الإسلامي، "د.ناجح إبراهيم"، أنهُ لا يوجد فكر بدون مردود، بمعنى أن الفكر الصحيح يكون لهُ مردود إيجابي، والفكر السلبي يكون لهُ مردود خاطئ. كما أشار إلى أن التكفير لابد أن يتبعهُ استحلال لكُل شىء بعد ذلك، وأن محنة التكفير تُعد من أكبر المحن التي واجهت العالم الإسلامي. كما ذكر أن العقل التكفيري بطبيعته عقل سطحى، ويُصنف أى خلاف بينهُ وبين الآخرين على أنهُ كُفر. كما وصفهُ بأنهُ فكر انشطاري يُفرق ولا يُجمع، ويُمزق ولا يُوحد، بالإضافة إلى أنهُ يستكثر رحمة "الله" سبحانه وتعالى على عبادهِ.
وأضاف "إبراهيم" أنهُ لا جدال في أن القاعدة وُجدت في مصر، ولم يبق سوى إعلان الكيان التنظيمي لها. كما انتقد بشدة فوضى الخطاب الإسلامي التي أصبحنا نُعانيها، ودعا إلى أهمية التصدي لذلك قبل فوات الأوان. كما أكد أهمية عدم إهمال الدولة لما يُذاع من أفكار واتجاهات مُتطرفة، وضرورة التصدي لذلك أيضاً، حتى نتجنب ما يُمكن أن تتسبب به من تداعيات.
وعن النواحي الأمنية، ركز الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء .د.محمود خلف"، في حديثه، على ضرورة فهم سيناء جيداً، وانتقد عدم وجود تحليل كاف لمُكونات العملية الإرهابية، قائلاً: "إن العمليات الإرهابية بشكل عام هى خلطة عشوائية تستهدف مصالح وأهدافاً، نسبة منها داخل حدود الدولة، والباقي في الأعم يكون خارج حدودها". كما صرح "خلف" بأن الخطأ يقع على الجهات التي تركت الجماعات ذات العناصر الدينية المُتشددة تحت الأرض، حتى أصبح استقطابهم من أيسر ما يكون".
وذكر أنه لا يعتقد أن الدولة، سواء السابقة أو الجديدة، مُدركة بشكل دقيق لحجم الخطر الموجود في سيناء، خاصة تماس الحدود مع ليبيا، والسودان، في ظل ضعف السيطرة على الحدود، وسهولة تمرير وتهريب الأسلحة. كما أشار إلى أن مصر الآن أمام مُفترق طُرق، وهى مؤهلة جيواستراتيجياً كدولة للصعود مرة أُخرى، حتى تعود قوة إقليمية. وأخيراً، أكد "خلف" أن استراتيجية مُقاومة الإرهاب تتطلب التنمية، وفهم الآخر، وأيضاً البُعد عن فكرة دق طبول الحرب. وقال: "ولا أرى أن ذلك يخل بمبدأ الدفاع عن الدولة، خاصة في ظل ما نُعانيه من مشاكل اقتصادية".
توصيات الندوة:
ومن أهم التوصيات التي خلُصت إليها الندوة:
- مُحاولة إيجاد بيئة مُتكاملة من السياسات الثقافية والاجتماعية والفكرية، والبُعد عن فكرة الاعتماد بشكل كامل على البطش الأمني فقط، كما كان يحدُث في عهد النظام السابق.
- سرعة حدوث استقرار داخلي في الدولة، خاصة في سيناء، حتى نتمكن من مواجهة التيارات التكفيرية الموجودة على أراضيها، والقضاء عليها قبل أن يستفحل الأمر.
- إحداث تنمية حقيقة في سيناء، تشمل حميع مناحي الحياة في سيناء، وإحساس المواطن السيناوي بأن الدولة تهتم بسيناء بشكل عملي، وليس اهتماما إعلاميا فقط.
- لابد أن تلعب المؤسسات الدينية الرسمية، كالأزهر وغيره، دوراً فاعلاً في مُواجهة أفكار هذه التيارات المُتطرفة، هذا بجانب الدور المهم الذي يجب أن يلعبه قادة التيارات الدينية المُناهضون لهذا الفكر الجهادي، سواء من الفكر السلفي أو الإخواني، لما لهم من تأثير كبير في الشارع الإسلامي، خاصة بعد الثورات العربية.
- هناك دور مهم في هذه المشكلة يقع على عاتق حركة "حماس" والتي تُسيطر الآن على قطاع غزة، حيث يجب عليها ضبط مسألة الأنقاق، التي تُمثل شريان حياة كبيرا لهذه التيارات.
- ضرورة تشكيل مجلس أعلى لسيناء، وتوحيد الجهة الأمنية التي تتعامل بها، وفك الاشتباك الحادث بين الجهات الأمنية من قوات مسلحة وداخلية.
- ضرورة فتح حوار قوي بين القوى السياسية المسماة بـ"المدنية"، والإسلامية المسماة بـ "المعتدلة"، وأيضاً مع الجماعات السلفية الجهادية الموجودة في مصر
شيريهان نشأت المنيري
شكل تنامي نشاط أذرع تنظيم القاعدة، بعد فترة من السكون ، خطرا داخل الدول العربية ، التي لا تزال تعاني أزمات داخلية، بعد ثورات الربيع العربي. ورغم أن البعض توقع تواري التنظيمات الجهادية المسلحة عقب الثورات إلا أنها عادت لتطل برأسها كما حدث في سيناء التي شهدت نشاطا مكثفا لعناصر جهادية مسلحة.
وفي هذا الإطار، نظم المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية ندوة خلال شهر أكتوبر 2012 ، بعنوان "انعكاسات تنامي نشاط أذرع القاعدة والجماعات التكفيرية في الدول العربية والإسلامية، خاصة مصر".
معدلات تنامي نشاط القاعدة :
ركز "علي بكر"، باحث مُتخصص في شئون القاعدة ، على ملامح التيارات التكفيرية في سيناء، حيث أشار إلى أن الجماعات التكفيرية التقليدية الموجودة في هذه المنطقة ، تعتمد في فكرها على القاعدة التكفيرية الشهيرة، " من لم يُكفر الكافر فهو كافر".
وأضاف أن سيناء أصبحت بها العديد من الجماعات التكفيرية، التي يتلقى مُعظمها تمويلاً من جماعات خارجية من فلسطين أو أماكن أخرى. وأن هذه الجماعات لا ترى غضاضة في استهداف المدنيين، كونهم أبناء مجتمع كافر لا يُقيم حدود الله من وجهة نظرهم ، مُستشهداً في ذلك بما تسبب في إثارة الفزع بمناطق مختلفة بالعريش، خلال الفترة الماضية، بعد تعدي تلك الجماعات على بعض المواطنين وأصحاب المحال، لذلك لا يحظى أبناء هذه الجماعات بأى تعاطُف من أبناء سيناء، مما يترتب عليه انتشار هذه الجماعات في المنطقة الحدودية خارج المدن، حيث يمتلكون أسلحة.
وذكر "بكر" بعض الملاحظات على ما أظهرتهُ الحرب التي شنتها الحكومة المصرية ضد التيارات الجهادية المتطرفة الموجودة فى سيناء، والتي يأتي في سياقها العملية العسكرية "نسر"، ومن أهمها أن العملية العسكرية في سيناء عملية في غاية الصعوبة، حيث مساحة سيناء الشاسعة، بالإضافة إلى صعوبة تحديد العدو المطلوب والقضاء عليه، بسبب صعوبة تحديد أماكن وجودهم، والأوكار التي يختبئون فيها، بجانب اكتشاف ضخامة مصادر التمويل لهذه التنظيمات، حيث تبين، من خلال نوعيات المُتفجرات والأسلحة التي ضُبطت، أن أسعارها قد تصل إلى ما يقرب من مليونى جنيه، بخلاف السيارات المضبوطة.
وأضاف أنه على الرغم من هذه العمليات التي تقوم بها قوات الجيش والشرطة في سيناء ، فمن الصعب القول إن هذه الحملة سوف تقضي نهائياً على هذه التيارات، نظراً لعدم معرفة الأمن بكل أعضاء هذه التنظيمات، بالإضافة إلى وجود عناصر فلسطينية في هذه التنظيمات، من الصعب إلقاء القبض عليها، بسبب وجودها في قطاع غزة. وفي النهاية، تبقى الأنفاق الملاذ الآمن للكثير من أعضاء هذه التنظيمات. وبشكل عام، يرى "بكر" أن الحملة العسكرية في سيناء سوف تؤدي إلى انحسار للتيارات التكفيرية، لكن دون القضاء عليها، على الأقل في الوقت الحاضر.
في حين أشار "د.عمار علي حسن"، الباحث في تاريخ الإسلام السياسي والجماعات الإسلامية، إلى أن القاعدة أو التنظيمات التكفيرية بشكل عام مولعة بفكرة الوطن البديل، تلك الفكرة التي وصفها بأن بها قدرا كبيرا من الرومانسية وعدم الواقعية. وذكر أن تنظيم القاعدة بالفعل أوجد في أفغانستان وطناً بديلاً، ثم في الصومال، ثم انتقل الأمر إلى العراق حين تم غزوه، وأيضاً في الجبال الوعرة في اليمن.
وقال: "الآن، وبصحيح العبارة في سيناء". وأرجع ذلك إلى الموقع الجغرافي لها، ووعورة الجبال في وسطها، بالإضافة إلى الانفصال الشعوري الذي حدث لأهالي سيناء، في ظل حُكم الرئيس السابق "مبارك"، بجانب انتشار الفقر، والجهل، وقلة التنمية والإهمال، وأيضاً حالة الارتباك الأمني التي حدثت فيما بعد الثورة، والتي جعلت لتلك الجماعات من سيناء مرتعاً لأنشطتها.
وأضاف "حسن" أن الفرق بين السلفية الجهادية والدعوية يكمُن في بعض المواقف والتجارب، وعدم رغبة البعض في السير في طريق حمل السلاح، نظراً للتخوف من نتائجه وليس أكثر. وقال: "إن الاختلاف بينهُما ككبسة رز". كما ذكر أن القاعدة تحولت إلى أفكار تتبناها وتُنفذها جماعات مُختلفة، دون صدور أوامر مباشرة بذلك.
وأقر فكرة أن ثورات الربيع العربي مثلت درساً حقيقياً لتلك التنظيمات الجهادية، حيثُ أثبتت أن القوة الحقيقية تكمُن في التحرُك السلمي للشعب، وليس في حمل السلاح وسفك الدماء.
مخاطر الفكر التفكيري على الأزمات الداخلية:
من جانبه ، عرف الكاتب والمُفكر الإسلامي، "د.كمال حبيب"، الفكر التكفيري بأنهُ الفكر الذي لا يلتزم بالنسق القيمي والفكري والتشريعي والأصولي الذي أسسهُ عامة علماء المسلمين، منذ بعثة النبي صلي الله عليه وسلم، وعُرف باسم "أهل السنة والجماعة"، ومن ثم فهو فكر على هامش النسق الرئيسي، لما يعتقده عامة المسلمين وعلماؤهم.
وعن أسباب انتشار ذلك الفكر، ذكر "حبيب" أن أهمها هو وجود أزمة عميقة في المجتمع ، حيث إن الفكر التكفيري ينتشر في أوقات الأزمات. كما أن الفكر الخوارجي التكفيري هو فكر احتجاجي، ومن ثم فإنه ينتعش في ظل وجود نظم سياسية تفتقد الشرعية والإنجاز، خاصة في المجال الاقتصادي– الاجتماعي، وأيضاً وجود فائض طاقة في المجتمع لا يتم استخدامها على الوجه الأكمل بسبب غياب المشاريع القومية التي تستوعب طاقة شباب الأمة، إلى جانب التأويل الديني لمفهوم الحاكمية.
وأضاف "حبيب" أن الفكر التكفيري ليس له قبول أو انتشار في مصر، لأن فكرة التكفير تحمل بذور فنائها، وهي غير قابلة للوجود أو الاستمرار، كما أن الفكر السلفي الجهادي الممزوج بالعنف ليس له انتشار أو قبول بعد المُراجعات الواسعة التي قامت بها التنظيمات الكبرى في التسعينيات. بالإضافة إلى أن ظهور التيار السلفي وانتشاره قلص الوجود التكفيري في محافظات الدلتا والصعيد. في حين ذكر أن الفكر التكفيري والسلفي الجهادي ينتشر الآن بدرجة قوية في سيناء، باعتبارها منطقة بعيدة عن سلطة الدولة.
ومن جانبه، عرض "حبيب" لفكرة أن الفكر التكفيري لا يُمثل خطراً على المديين المتوسط والبعيد، وإنما يُمثل خطراً على المدى القصير في أوقات الأزمات. وأشار إلى أن الدولة المصرية إذا استطاعت استكمال أهدافها في العيش، والحرية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، فإن ذلك سيؤدي إلى تهميش الفكر التكفيري والسلفي الجهادي. أما إذا أخفقت التحولات الانتقالية في استلهام أهداف الثورة المصرية، فإن ذلك سيؤدي إلي تعاظُم الفكر التكفيري والسلفي الجهادي.
أما "ضياء رشوان"، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فقد رأى أهمية في ضرورة التعرُف على حالة تنظيم القاعدة، وبالأخص بعد سقوط "أسامة بن لادن"، ذلك الأمر الذي يتطلب التعُرف على حالة تنظيم القاعدة، أثناء وجود "بن لادن".
كما عبر "رشوان" عن تخوفه من أن يكون ما يحدُث في سيناء بداية الأمر، وليس نهايته، فكما نعلم أن سيناء تُمثل مكاناً تاريخياً لمُقاومة العدو القديم والتاريخي، ألا وهو إسرائيل، وأن الجماعات الآتية المُهاجرة لن تُوجه ضرباتها إلا إلى إسرائيل، أو من تعتقد أنهُ يقف دون ذلك.
وقال: "إذا تأملنا الخريطة، فسوف نجد أن سوريا سوف تكون أحد مقرات التمركُز الرئيسية لمجموعات من القاعدة المُهاجرة، وسيناء في الجانب الآخر، وسيكون الهدف النهائي هو مُواجهة الدولة العبرية، بعد الانتهاء من النظام السوري".
وأشار إلى سيناريوهين آخرين في مصر، من المُتوقع حدوثهُما، الأول: هو في حال نجاح الإخوان، والاستمرار في الحُكم، ومُواصلة المسيرة السياسية، والآخر: هو في حال خروج الإخوان من المشهد في الانتخابات القادمة، والتي سيُبرر فيها بشكل كاف بأن الديمقراطية لا تأتي إلا بأعداء الإسلام، وأن الديمقراطية كوسيلة لا يُمكن اعتمادها، لكي نصل إلى مجتمع إسلامي حقيقي.
مستقبل "القاعدة" في المنطقة العربية:
وفي هذا السياق، عرض "د.نشأت الهلالي"، مساعد أول وزير الداخلية، ورئيس أكاديمية الشرطة الأسبق، لأهم الجماعات الإرهابية التي اتخذت من سيناء مقراً لها، وهى: جماعة التكفير والهجرة، ومنظمة الرايات السوداء، ومنظمة السلفية الجهادية، ومنظمة أنصار الجهاد، ومنظمة مجلس شورى المجاهدين، وأيضاً جماعة التوحيد والجهاد.
كما ركز على آليات التصدي لتلك الجماعات، وتحويلها عن أغراضها غير المشروعة، والتي يتمثل أهمها في: التأكيد بصفة دائمة من خلال وسائل الإعلام على وطنية شعب سيناء وما قدمه من تضحيات على مر التاريخ، وأن ما يقع حالياً تقوم به فئات غريبة عن هذا الشعب وأهله، بجانب ضرورة تفعيل دور الحوار الديني الوسطي، والاهتمام الفعلي بمُعالجة موضوعات التوطين، وتملُك الأراضي بشكل عاجل وفوري.
في حين أكد الداعية والمُفكر الإسلامي، "د.ناجح إبراهيم"، أنهُ لا يوجد فكر بدون مردود، بمعنى أن الفكر الصحيح يكون لهُ مردود إيجابي، والفكر السلبي يكون لهُ مردود خاطئ. كما أشار إلى أن التكفير لابد أن يتبعهُ استحلال لكُل شىء بعد ذلك، وأن محنة التكفير تُعد من أكبر المحن التي واجهت العالم الإسلامي. كما ذكر أن العقل التكفيري بطبيعته عقل سطحى، ويُصنف أى خلاف بينهُ وبين الآخرين على أنهُ كُفر. كما وصفهُ بأنهُ فكر انشطاري يُفرق ولا يُجمع، ويُمزق ولا يُوحد، بالإضافة إلى أنهُ يستكثر رحمة "الله" سبحانه وتعالى على عبادهِ.
وأضاف "إبراهيم" أنهُ لا جدال في أن القاعدة وُجدت في مصر، ولم يبق سوى إعلان الكيان التنظيمي لها. كما انتقد بشدة فوضى الخطاب الإسلامي التي أصبحنا نُعانيها، ودعا إلى أهمية التصدي لذلك قبل فوات الأوان. كما أكد أهمية عدم إهمال الدولة لما يُذاع من أفكار واتجاهات مُتطرفة، وضرورة التصدي لذلك أيضاً، حتى نتجنب ما يُمكن أن تتسبب به من تداعيات.
وعن النواحي الأمنية، ركز الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء .د.محمود خلف"، في حديثه، على ضرورة فهم سيناء جيداً، وانتقد عدم وجود تحليل كاف لمُكونات العملية الإرهابية، قائلاً: "إن العمليات الإرهابية بشكل عام هى خلطة عشوائية تستهدف مصالح وأهدافاً، نسبة منها داخل حدود الدولة، والباقي في الأعم يكون خارج حدودها". كما صرح "خلف" بأن الخطأ يقع على الجهات التي تركت الجماعات ذات العناصر الدينية المُتشددة تحت الأرض، حتى أصبح استقطابهم من أيسر ما يكون".
وذكر أنه لا يعتقد أن الدولة، سواء السابقة أو الجديدة، مُدركة بشكل دقيق لحجم الخطر الموجود في سيناء، خاصة تماس الحدود مع ليبيا، والسودان، في ظل ضعف السيطرة على الحدود، وسهولة تمرير وتهريب الأسلحة. كما أشار إلى أن مصر الآن أمام مُفترق طُرق، وهى مؤهلة جيواستراتيجياً كدولة للصعود مرة أُخرى، حتى تعود قوة إقليمية. وأخيراً، أكد "خلف" أن استراتيجية مُقاومة الإرهاب تتطلب التنمية، وفهم الآخر، وأيضاً البُعد عن فكرة دق طبول الحرب. وقال: "ولا أرى أن ذلك يخل بمبدأ الدفاع عن الدولة، خاصة في ظل ما نُعانيه من مشاكل اقتصادية".
توصيات الندوة:
ومن أهم التوصيات التي خلُصت إليها الندوة:
- مُحاولة إيجاد بيئة مُتكاملة من السياسات الثقافية والاجتماعية والفكرية، والبُعد عن فكرة الاعتماد بشكل كامل على البطش الأمني فقط، كما كان يحدُث في عهد النظام السابق.
- سرعة حدوث استقرار داخلي في الدولة، خاصة في سيناء، حتى نتمكن من مواجهة التيارات التكفيرية الموجودة على أراضيها، والقضاء عليها قبل أن يستفحل الأمر.
- إحداث تنمية حقيقة في سيناء، تشمل حميع مناحي الحياة في سيناء، وإحساس المواطن السيناوي بأن الدولة تهتم بسيناء بشكل عملي، وليس اهتماما إعلاميا فقط.
- لابد أن تلعب المؤسسات الدينية الرسمية، كالأزهر وغيره، دوراً فاعلاً في مُواجهة أفكار هذه التيارات المُتطرفة، هذا بجانب الدور المهم الذي يجب أن يلعبه قادة التيارات الدينية المُناهضون لهذا الفكر الجهادي، سواء من الفكر السلفي أو الإخواني، لما لهم من تأثير كبير في الشارع الإسلامي، خاصة بعد الثورات العربية.
- هناك دور مهم في هذه المشكلة يقع على عاتق حركة "حماس" والتي تُسيطر الآن على قطاع غزة، حيث يجب عليها ضبط مسألة الأنقاق، التي تُمثل شريان حياة كبيرا لهذه التيارات.
- ضرورة تشكيل مجلس أعلى لسيناء، وتوحيد الجهة الأمنية التي تتعامل بها، وفك الاشتباك الحادث بين الجهات الأمنية من قوات مسلحة وداخلية.
- ضرورة فتح حوار قوي بين القوى السياسية المسماة بـ"المدنية"، والإسلامية المسماة بـ "المعتدلة"، وأيضاً مع الجماعات السلفية الجهادية الموجودة في مصر