السبت، 24 أبريل 2010

هسه الصبح ندفن والعصر ننسى

وسيبدأ حفارو القبور العمل سريعا في مقبرة السلام، فهناك عشرات الشهداء سيأتون بعد قليل من بغداد.
وسيكون هناك بعض المسيحيين في الحمدانية يبتهلون لله عندما تصلهم أنباء الانفجارات المتتالية التي هزت بغداد عندما كان الناس في طريقهم للــ صلاة.
وستسرع العربات حاملة نعوشا أعدت على عجل حتى أن جانب أحدها تهاوى.
 وسيحمل هذا العراقي طفلة جريحة ربما ابنته وربما لا يعرفها؛فالموت هنا لا يعرف أحدا، هو فقط يحصد كل قلب ينبض.
صحيح أنها قد تصاب بعاهة أو تشوه لكن يبدو أن هذه الطفلة ستنجو، فيما طفل آخر يخطو في الدماء.
وسيهرع الرجال حاملين من تبقى حياً. وبالطبع بعض أشلاء من مات. بعض الدقة رجاءً.
وستعرف من حديث أحدهم أن عشرين شخصا كانوا في هذه الحافلة العامة (تلك التي يستقلها المواطنون بلا تمييز) وماتوا جميعاً.
وستسمع أحد الساسة يتحدث من لندن عن أن غياب التنمية هي سبب التفجيرات فتظن أنه بالضرورة "مكبسل"!
وستسمع من ينادي بتكرار تجربة تقاسم رئاسة الحكومة عامين لعلاوي ومثلهما للمالكي، وستضحك لأن شيئا مشابها حدث- ولمرة واحدة - في تركيا ولم يكتمل بعد الفترة الأولى، فتحزر من سيبدأ؟
ستصمت دقات قلبك المتسارعة قليلاً منشغلا بأي شيء لتبتعد، لكن الأسئلة ستعاود دفعك: عن معنى أن ترد وزيرة حقوق الإنسان نافية عن سجن المثنى أنه سجن سري "فكل ما هنالك أن أهالي المحتجزين به لم يكونوا على علم بمكان أبنائهم" وستعدل عن هذا التفسير العبقري في مؤتمر صحفي لتضيف "لم يكن سريا بدليل انه كان به قضاة ومحققون"
وسيتصيد التافهون الطائفيون الأمر ليقولوا أن السجن مؤامرة من الشيعة "كون من احتجزوا به من السنة"على اعتبار أن الموصل مثلا بها غالبية شيعية لكن الاعتقالات طالت السنة وحدهم! وسيصدق البلهاء خارج العراق الكذبة.
وستخجل من اتصالك لتسأل من تعرفهم: هل أنتم بخير؟ ليرد أهوار بضحكة لا تعرف كيف يحافظ عليها وسط كل هذه  الأهوال: لا تخافون.. ما أموت هسه.
وستخجل أن تنشغل في معارك يحصد أي ثمار لها كلمنجية أو منافقون، وستسأل كما الطيب صالح: من أين أتى هؤلاء؟.
وستندهش من أن يلتقي المالكي بصالح المطلك بعد ان أُقصي الأخير عن الترشح للانتخابات الأخيرة، وكاد ذلك القرار يمنع السنة من المشاركة في الانتخابات، وفجأة أصبح المطلك رقما لا يمكن تجاوزه في المعادلة السياسية؟
وسيُقال مسؤول أمني فجأة بعدما اكتشفوا أنه بعثي سابق، وستكتشف - فجأة أيضا-أحزمة ناسفة وسيارات معدة للانفجار في بغداد وواسط وغيرهما.
وستسأل ما الذي أعاد الصغار بعد اختفاء ليصبح أحدهم فجأة سماحة الله ويستطلع رأي أتباعه فيمن يحكم، وليرث الآخر اللقب أيضا ويقول أن المالكي وعلاوي كلاهما لا يحظيان بتأييد شعبي، هل أنت من تحكم؟ ومنذ متى أجمع العراقيون على شخص؟ وهل من بين كل هؤلاء "الديناصورات" من يملك تاريخا أبيض؟
وستذكر بعض أسماء ممن لا زالوا يواصلون تعاطي السياسة هناك وستشفق عليهم وتقنع نفسك أن خلاص العراق على أيديهم حتى لو كانوا حفنة صغيرة.وتعرف أنك واهم.
وستذكر مثلاً الصفقة الجديدة لاستبدال أسلحة الجيش العراقي بأخرى حديثة، راح الايه كي 47 واجه الام 16،وستسخر لأن الموت يأتي عادة عبر الانفجارات أكثر من القتال المباشر، ولأن أحدا لم يحقق في فضيحة صفقة الأجهزة الفاسدة التي استوردت لكشف المواد المتفجرة، ولأن الأسلحة الجديدة الامريكية سيتم ترس و تبديل خزانة رصاصاتها عبر مصنع أمريكي. صفقة تجارية لصالح أمريكا لا أكثر ولا اقل. وستذكر ان أعنف المعارك التي شهدتها شوارع وطرق العراق كان للآر بي جيه والكلاش والهاونات -على قدمها- كلمة ليست فاصلة لكنها مؤثرة.
وستتذكر - فجأة ايضا- أنك لم تحضر بعد العلم الجديد منحياً عنه النجمتين، فتنتظر الصباح فيما تطالع الصور إلى أن يمكنك أن تتحرك وتحضر العلم والألم والعراق كله وتضمه إليك، وسينظر لك الغريب الذي صار قريبا ويسألك  بعربية سخيفة إذا كنت قد نمت جيدا أو هل تشعر بالحزن، فتبتسم وتقول: لا بل أنا سعيدة جدا. وستردد مع المغني:
مو كالوا جديد الوطن راح يصير
 قبل وين الوضع عن وضع هسه
 قبل خنساء وحده وكلهم يعزون 
وهسه بكل زقاق وفرع خنساء
 قبل ما ننسه الميت لو تمر سنين
 وهسه الصبح ندفن والعصر ننسه 
شوف الناس تحرس لا وطنها يضيع 
وليش احنه الوطن ما نعرف نحرسه 
هسه الدنيا خربت والوطن منهوب
 يفرغ بير حزنه وبيدنه نترسه
 وتاهة والوضع ما ادري صار شلون 
الشرطي والحرامي تشابع بلبسه 
قبل جان الغيره تعلي بينه الصوت 
اشو حتى ابو الغيره ما طلع حسه 
قبل جان الأمان يطب على البيوت 
وهسه البشر كام يخاف من نفسه 
وطن للشمس بيت تنام بي نجوم
 غيوم الدنيا كلهه ما تظم شمسه 
يرجع شي اكيد ويرد بينه الحيل 
وتتعالى الأصوات ما تظل خرسه
 أطلع يا غريب البيت لأهل البيت
 طاهر ما نريد اقدامك تنكسه 

S C