الثلاثاء، 2 مارس 2010

عفوا: دعوني أحدثكم عن بلد فقد أرضيته الأخلاقية وماضيه الثوري..!

ماجي ميتشل سالم
آنا آسفة. ولكن حان الوقت لتسمعوا ذلك من أميركية عادية، وليس من مسؤول كبير أو ناطق رسمي، لا يملك، ودعونا نتحدث بدرجة كافية من الصراحة، شروى نقير من المصداقية. ليست كاملة بالطبع. ولكنني لم أقدم وعدا بتحقيق «خريطة طريق» ثم فشلت في تطبيقها. ولم أسم نفسي «وسيطا أمينا» ثم بعت الفلسطينيين في السوق. لم أعدكم مطلقا أنني سأستمع إليكم وألبي رغباتكم عندما كنتم تطالبونني بحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ثم قلت إن حل مشكلتكم يتمثل في إزاحة صدام حسين. لم أسمح لأقرب حلفائي بنشر الأكاذيب عنكم في الصحف، دافعين الأميركيين العاديين نحو الاعتقاد بأنكم أعداؤهم. والحقيقة أنني لم أكن مطلقا من الغباء بحيث أتخذ أصدقاء بهذه الشاكلة. كما أنني لم أستغل الرعب كأداة ناجعة لإعادة الانتخاب.

ورغم اسمي الأخير فأنا لست عربية أميركية. إنني واحدة فقط من عشرات الملايين من الأميركيين، من غير المسلمين ومن غير العرب، والذين شعروا بالعار والاشمئزاز من الأفعال المشينة والتعذيب والإهانات التي ألحقها بعض جنودنا بالعراقيين والأفغان الذين وقعوا في أسرهم. أرهقتني الأكاذيب التي قادت بلادي إلى هذه الحرب. وأنا لا أعرف حاليا ما إذا كنا نحارب «إرهابيين» أو «متمردين» أو كلتا الطائفتين. يقلقني أن بلادي فقدت أرضيتها الأخلاقية، وأن ماضينا الثوري المفعم بالكبرياء طواه النسيان ونحن نتحدث عن الديمقراطية بينما نسحق المعارضة. والأسوأ من ذلك أن شرائط الفيديو تأتينا بصور جديدة يوميا، تنطوي على مشاهد مقززة للعنف والانحراف وحتى القتل. وما نزال ننتظر إزاحة الستار عن الأبعاد الكاملة للجرائم التي ارتكبت ضد الشعوب التي ترزح تحت احتلالنا، فضلا عن أولئك الذين نحتجزهم في غوانتانامو باي. وتقول تقارير الجيش إن التحقيق ما يزال جاريا حول الأسباب التي أدت إلى قتل 24 من السجناء، كما أن أربعة، اثنان منهم في العراق واثنان في أفغانستان، صنفت أسباب قتلهم بأنها من فعل الدولة.

شخصيا أعارض بقوة أولئك الذين يسخرون من فكرة أن التعذيب الأميركي يمكن مقارنته بالتعذيب الذي كان يرتكبه صدام، سواء كان هؤلاء من بلادي او من بلدانكم. فليس ثمة ميزان متدرج للإنسانية. الطغاة هم الذين يبررون الظلم وليس الديمقراطيون. وهذا هو بالتحديد ما يميز بين الاثنين. وعندما يقوم أولئك الذين يرفعون عقائرهم دفاعا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، بالإساءة إليها بدعوى «الأمن القومي»، أو «مكافحة الإرهاب»، أو «جمع المعلومات الاستخبارية»، فإنهم لا يكونون أفضل من الافراد أو المؤسسات الذين حلوا محلهم.

كان قرارا صائبا من وزارة الخارجية أن تؤجل إصدار التقرير السنوي حول حقوق الإنسان. والمحزن أن هذا التقرير إذا حوى الأفعال المحلية والعالمية التي ارتكبتها أميركا، فإن سجلها سيكون مشابها بصورة مثيرة للعجب لسجل إسرائيل. ولا أقصد تقريرا تعدله الحكومة الأميركية بما يوافق هواها، بل أقصد تقريرا يشبه تلك التي تصدرها لجنة «بتسلام» الإسرائيلية التي تقدمها إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

الرجاء ان تنضموا الي في اطراء أفعال هذه الجماعات. فالأفراد الذين يقفون خلف هذه المنظمات يخاطرون بسمعتهم، بل وبحياتهم في الصراع للكشف عن العالم المظلم للوحشية التي تقرها الدولة. وفي فضح أعمال التعذيب واساءة المعاملة والحرمان فانهم يقدمون شيئا ثمينا لمن هم بأمس الحاجة اليه، وهو الأمل. كما أنهم يمنحون صوتهم لمن لا صوت لهم.

ولكن بينما أنتم تمارسون الثناء فكروا بكل الأماكن في المنطقة حيث يمنع نشطاء وجماعات حقوق الانسان من ممارسة النشاط. انها قائمة طويلة. والحقيقة أن الكثير من كبار المسؤولين العرب انفسهم ممن يطرون، حاليا، عمل الجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش في الكشف عن جرائم القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، قد عارضوا السماح لهذه الجماعات في الدخول الى مواقع في بلدانهم. ان اللعبة ذاتها التي ظهرت في سجن ابو غريب حيث الأسماء لم تكن مسجلة والسجناء مخفيون عن الصليب الأحمر تستمر في بلدان في المنطقة وفي أنحاء اخرى من العالم.

بل ان الأكثر ترويعا يتمثل في حقيقة ان ادارة بوش لطخت جوهر المبادىء الديمقراطية التي أشعر انها تتسم بالرياء وهي تشير الى المواقف المتطرفة في المنطقة في وقت تعهدنا فيه بالالتزام بمبادئنا في الداخل والخارج.

غير انني ما زلت فخورة بكوني أميركية. وأنا فخورة بديمقراطية بلادي، التي لحقت بها أضرار ولكنها بقيت قوية بعد تحديات كبيرة لمبادئها الأساسية في توفير «الحرية والعدالة للجميع». وأنا فخورة بأنني استطيع التحدث بحرية ومعارضة ادارة بوش بدون الخوف مما هو أكثر من فقدان دعوة عشاء في بيت ديك تشيني. وأنا فخورة بأنه عندما حاولت الادارة اسكات نقاد، مثل السفير الميركي السابق جوزيف ويلسون، جرى استدعاء مكتب المباحث الفيدرالي. وأنا فخورة بالكيفية التي تطور فيها بلدي من ديمقراطية تمارس التمييز ضد الأقليات والنساء الى ديمقراطية تحمي حقوقهم. وأنا فخورة عندما نصغي قبل أن نتحدث، ونحترم حلفاءنا، حتى أولئك الذين يمكن أن يتجرأوا على عدم الاتفاق معنا، ونقيم تحالفات من أجل السلام وليس من أجل الحرب فقط. ولم أكن شديدة الفخر بسجل ادارة بوش في هذا الصدد، ولكن ثقتي بأميركا لا تهتز.

ان ثقتكم بنا ينبغي أن تكون مثابرة. وأشعر بالقلق من أن أفعال البعض قد شوهت نظرتكم الى جميع الأميركيين. واذا كنت قد قلت يوم الثاني عشر من سبتمبر 2001 ان عدونا لم يكن «السعوديين» أو «العرب» أو «المسلمين»، وانما قلة من المتطرفين الذين اختطفوا القضية الفلسطينية والاسلام ليتوافق ذلك مع أغراضهم، فان بوسعي، من ثم، أن أطلب منكم أن تظهروا الموقف نفسه تجاه شعبي وبلدي وديني.

الرجاء ان تتخذوا موقفا انتقاديا منا. يمكنكم أن تروا بوضوح تجاوزاتنا وآثامنا ونقاط ضعفنا لأننا ندعوكم الى القيام بذلك. ان جلسات الاستماع العلنية، في اطار أسلوبنا في الديمقراطية، تقدم المسؤولين الذين يتحملون المسؤولية على أفعالهم ويخضعون للمساءلة عنها وكذلك أفعال التابعين لهم. بل اننا ندعو غرباء لمراقبتنا ونحن ننشر غسيلنا. يمكنكم مشاهدة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وهو في وضع صعب خلال اكثر من ثلاث ساعات في شهادته أمام الكونغرس التي عرضت ببث حي على قناتي «العربية» و«الجزيرة». وكان قد واجه الموقف أولا قبل يومين من ذلك عندما كشفت محطة «سي بي إس» التلفزيونية الموضوع أول مرة. وهناك الكثير مما يمكن أن يأتي. هل سبق لكم ان رأيتم مثل هذا المشهد في بلدكم؟ أو في بلد مجاور؟

بدون شك راح منظرو نظرية المؤامرة منذ الآن بطرح عدد متنوع من المكائد الشريرة والشيطانية ووفقها سيستخدم البنتاغون هذه المخططات لإقصاء الولايات المتحدة وبقية العالم عن الالتفات إلى الانتهاكات الأميركية. لكن حتى لو كان ذلك مخططا له فعلا ـ من الصعب إسقاط نظريات من هذا الأنواع عن هذه الإدارة ـ فأنا أستطيع الاعتماد على «مسربي المعلومات» في إيقاف خططهم. بل أنا أستطيع أن أعدكم بأنه سيكون هناك دائما أميركيون شجعان راغبون في حماية ديمقراطيتنا وحريتنا عن طريق كشف أولئك الذي يشكلون خطرا على كلتيهما.

أثناء حرب فيتنام كان دانييل اليسبرغ. كان أليسبرغ من قوات المارينز ومحللا في البنتاغون وقام في سنة 1971 بتهريب «أوراق البنتاغون» وهذه كانت سجل القرارات السرية التي اتخذتها الحكومة الأميركية فيما يخص فيتنام. وحاربت الحكومة لكنها خسرت معركة قانونية لمنع نشر هذه الأوراق في صحيفة «واشنطن بوست». وكان الجمهور الأميركي منقسما على نفسه بما يخص حرب فيتنام وأصبح بعد نشرها أكثر شعورا بخيبة الأمل.

خلال فترة الإعداد لحرب العراق كتبت الليفتنانت كولونيل كارين كويتكويسكي، التي تقاعدت سنة 2003 بعد خدمة 20 عاما في القوة الجوية، مقالات وصفت فيها مساعي البنتاغون المتعمدة لتحجيم تأثير المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط على قرار الحرب بل حتى تبديلهم بعناصر أكثر ميلا لمواقفهم. وحسب الصيغة التي وضعتها «أنا رأيت فلسفة ميتة تتمثل بروح الحرب الباردة الناجمة عن العداء للشيوعية وامبريالية جديدة تتمشى في دهاليز البنتاغون. وهي ترتدي ملابس مكافحة الإرهاب وتتحدث لغة الحرب المقدسة المحددة بمبدأي الخير والشر. الشر كان مقيما حسب رأي القيادة في الشرق الأوسط ومعبرا عنه من خلال رجال الدين المسلمين والمتطرفين. لكن هناك أعداء آخرين في الداخل، فأي شخص يتجرأ في إثارة الشكوك حول الخطط العظيمة بضمنهم وزير الخارجية كولن باول والجنرال أنتوني زيني».

وأخيرا هناك المهني العسكري جوزيف داربي، البالغ من العمر 24 عاما والذي بعد مشاهدته لصور أعضاء فصيلته 372 من الشرطة العسكرية رفع تقريرا عما جرى من أفعال إلى الضابط المسؤول عنه. كان ذلك يتطلب شجاعة فائقة للإخبار عن أعضاء في وحدتك. لكن داربي قام بذلك حيث قام بإمرار ملاحظته من خلال باب الضابط المسؤول وكشف عن طبيعة الانتهاك الذي جرى ضد السجناء. وفي يوم 7 مايو كرم بيتر جنينغز من محطة «إيه بي سي نيوز» داربي باعتباره «رجل الأسبوع». وفي نفس اليوم ذكره رامسفيلد وزير الدفاع خلال تصريحه أمام لجنة الشيوخ الخاصة بالقوات المسلحة.

ومثلما كتبت فإن رامسفيلد قد سافر إلى العراق في زيارة مفاجئة أخرى. ومن المفارقة أنه قد يصبح أكثر الناس قربا لاتفاقيات جنيف. وحسب مصادر إعلامية نصح محامو رامسفيلد بعدم الكشف عن صور أخرى بسبب تعليمات اتفاقيات جنيف التي تمنع «عرض صور السجناء التي يمكن أن تسيء إلى كراماتهم». وقد يكون ذلك مشجعا للصراخ «تغطية». لكن تذكروا آنذاك ما وعدتكم به.

* مستشارة في العلاقات الاميركية ـ العربية (خاص بـ«الشرق الأوسط»

20 مايو ايار-2004

رابط دائم

http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=234880&issueno=9305

S C