تتصاعد الازمة مع اثيوبيا عقب الاعلان عن الشروع فى تحويل مجرى مياه النيل
الازرق لبناء قاعدة "سد النهضة" المزمع اقامته عند مخرج النهر قرب الحدود
السودانية.
ويفتقد الرأى العام المصرى للشفافية الكاشفة للحقائق فى
مسألة وطنية وتنموية واستراتيجية مهمة مثل ازمة المياه فى مصر وحوض النيل
كله، ففى وقت تتعرض فيه البلاد لمخاطر تتعلق بمياه الشرب والرى والزراعة
والصناعة ، لا تطرح الحكومة على الراى العام ايه تقارير شاملة عن حقائقها و
الاتجاهات الرئيسة لتقرير اللجنة الثلاثية التى تضم ممثل مصر والسودان
واثيوبيا، والمفروض ان يطرح بعد ايام.
واذ يعرب حزب التحالف
الشعبىالاشتراكى، عن قلقه البالغ ازاء احتمالات تطور هذه الازمة بكل
ابعادها، يلاحظ ان المشكلة ليست جديدة منذ المعالجة الفاشلة التى كان
يلتزمها نظام مبارك، كما يستشعر القلق من اساليب الحكم القائم فى معالجة
الازمة بنفس الاساليب الفاشلة فى التجاهل أو الاتصال او التفاوض، ولذا يحرص
الحزب على تاكيد عدد من التوجهات التى يراها ضرورية لمعالجة عادلة وحكيمة
للازمة:
اولا: أن حل الازمة ينبغى أن ينطلق من مصالح الشعبين المصرى
والاثيوبى فى التنمية وان ينهض على التوفيق بين احتياج اثيوبيا التى تعانى
من ازمة طاقة (وهى من دول المنبع) تحاول حل احتياجها للكهرباء المتولدة عن
مساقط المياه، عن طريق سد النهضة، وحق مصر وهى دولة المصب من تأمين
احتياجاتها المائية التى تتعلق بها فرص التنمية والحق فى الحياة، فى وقت
تقترب فيه من خط الفقر المائى.
والسد الاثيوبى الذى انطلقت اشارة بدء
العمل فيه هو حلم إثيوبيا الخالية من مواد الطاقة من أجل توفير إمدادات
الكهرباء لشعبها. والمنطقة التي يقام فيها السد عبارة عن هضبة شديدة
الوعورة وغير ملائمة لإقامة مشروعات زراعية، بما يعني أن إثيوبيا صادقة في
أن دور هذا السد الكبير سيقتصر على توليد الطاقة التي تحتاجها إثيوبيا.
وينبغى أن نلاحظ هنا أن النيل قد شق مجراه فى عملية تاريخية طويلة توائمت
مع أوضاع التضاريس والجغرافيا لينطلق من دول المنبع التى تعتمد على الامطار
الى دول المصب التى تعتمد على الرى، حتى لا تغرق المياه دول المنبع .. ثم
ظهرت مشاريع هندسية يمكن أن تؤثر على حصص دول الحوض، ولا يمكنها المنع
الكلى للمياه عن دولة المصب حتى لا تتعرض دول الحوض نفسها للغرق،
ومن
هنا يرتبط الخطر المباشر بما لمصر والسودان من حقوق تاريخية فى مياه النهر
من الروافد الإثيوبية لنهر النيل، وهى حقوق سوف تتأثر خلال السنوات الخمسة
عشر اللازمة لملء السد حتى طاقته القصوى مما يمكن أن يعرض مصر وكل مواردها
للحياة الى خطر الجفاف خلال هذه الفترة.. وبالتالى ينبغى التركيز هنا على
ايجاد حلول عملية تضمن حصة مصر فى المياه خلال هذه الفترة.
ثانيا:
ويحذر حزب التحالف الشعبى الإشتراكى من محاولات التعبئة والتحريض ضد الشعب
الاثيوبى، ومن الدعوات لحل الازمة بوسائل عسكرية وإعلان الحرب على
اثيوبيا.. واغلاق قنوات الحوار وهى دعايات تنطلق من تجاهل احتياجات اثيوبيا
التنموية أو تصور الازمة الراهنة بإعتبارها مظهرا لاختراق اسرائيلى، فيكون
نتجتها سكب الزيت على النار ومنح اسرائيل فرصا اضافية لاستغلال الازمة فى
تخريب علاقات مصر الافريقية وسد كل سبل الحوار.
ثالثا : ان حل
الازمة ينبغى ان ينطلق من قواعد القانون الدولى وما نصت عليه الاتفاقات ذات
الشأن، والتى تضمن حصة مصر فى المياه، وطبيعة العلاقات بين الشعبين
المصرى والاثيوبى كشعبين افريقيين متصلين على مدى الاف السنين، والتى توجب
وضع قضاياهما المشتركة مثل المياه وغيرها فى الاطر القانونية الضرورية على
اساس من الحقائق المدققة والحقوق الضامنة لمصالح الشعبين، خاصة وان الاطر
الاقليمية والدولية وقواعد القانون الدولى يمكن ان توفر الكثير من اجواء
التوافق لتفاوض ضرورى حول هذه القضايا.
رابعا: أن العلاقات المصرية
الاثيوبية، علاقات تاريخية عميقة الجذور الاجتماعية والثقافية والسياسية،
ولا نتصور ان تهددها مشروعات للتنمية على الجانبين، بل يمكن ويجب أن تكون
هذه المشروعات أساسا لتطوير التعاون و التكامل والتوفيق بين التوجهات
المتعارضة وتجاوز اجواء التوتر الطارئة، الامر الذى لا يستبعد توقع
لخسائر محتملة والاعداد لتفاديها.. بما فى ذلك ترشيد استخدام المياه من حيث
شبكة الرى والصرف والمحاصيل كثيفة الاستخدام للمياه.. وهى امور ضرورية فى
كل الاحوال
خامسا : لا ينبغى الإقرار بحق إثيوبيا في إقامة السد دون
تفاوض ، ويجب التفاوض لتوقيع معاهدة دولية مع إثيوبيا تقر فيها بحصتي مصر
والسودان من مياه النيل، مقابل الموافقة على إنشاء السد و تنظيم عملية ملء
الخزان بصورة تقلل الأضرار على مصر والسودان خلال فترة الملء التي ينبغي أن
تكون 15 سنة على الأقل وتشارك مصر والسودان في الإشراف على ملء الخزان،
وفي السنوات التي ينخفض فيها إيراد النيل عن المتوسط (84 مليار متر مكعب
عند أسوان) تتوقف عملية ملء الخزان بصورة مؤقتة. وينبغي لكل من مصر
والسودان، النظر إلى المشروعات الاثيوبية بشكل واقعى وموضوعى، إذ ينبغي
الاقرار بحق إثيوبيا فى اقامة مشروعات لتوليد الكهرباء من مساقط المياه على
روافد النيل، مع تنظيم استخدام هذا الحق بالاتفاق مع مصر والسودان، وليس
بشكل منفرد حتى لا يؤثر ذلك على الحقوق التاريخية للبلدين من مياه الروافد
الإثيوبية لنهر النيل.
وينيغي أن تنبني تلك المفاوضات على قواعد
الحقوق التاريخية التي تؤكد حق مصر والسودان في كل قطرة مياه تصل لكل منهما
من المياه الإثيوبية نظرا لترتب حياة البشر والثروة الحيوانية والنباتية
عليها، وحق الارتفاق الذي ينص على أن تدفق المياه من أي نهر دولي إلى أي
دولة لمدة عام كامل يولد لها حق ارتفاق للمياه التي حصلت عليها، فما بالكم
بالحقوق المائية التاريخية لمصر والسودان التي يرجع تاريخها إلى أول وجود
للجماعات البشرية في حوض النهر وإلى بداية التاريخ المكتوب للعالم.
ب- يجب على مصر أن تتعاون مع إثيوبيا في مشروعاتها المائية ومشاريع الطاقة
من مصادرها المتنوعة، كبادرة حسن نية ولضمان المتابعة ولوضع قيود مادية
ومعنوية على إقامة أي مشروعات غير مقبولة مصريا، وحتى لا تترك المجال لدول
معادية لمصر لتقوم بذلك.
سادسا : ان اجراءات التفاوض السليم والايجابى
الذى يراها حزبنا ضرورية وتستدعى ان يتخذ الحكم القائم فى مصر والمسئولين
فيه عن القضية الاجراءات والخطوات التالية:
1-تقديم اوسع قاعدة من المعلومات الصحيحة والمتناسقة الى جماهير الشعب المصرى ليتفهم حقائق القضية بالشكل المناسب
2-اتاحة الفرصة للمنظمات السياسية والشعبية للمساهمة بالرأى فى العلاج الجذرى لقضايا الخلاف والازمة الشاملة حول المياه.
3- المعالجة المحكمة لمصالح جماهيرنا فى مجال الزراعة والرى وترشيد استخدامات المياه بكافة اشكالها
مع انتهاج سياسة اقليمية ودولية حكيمة وذات عمق شعبى فى الاتصال باطراف
الاتحاد الافريقى والجامعة العربية واصحاب الاستثمارات الكبرى فى اثيوبيا
على اساس من دعم مشروعات التنمية المشتركة والمتكاملة لدول حوض النيل
واطراف النزاع حول المشروعات المائية وفى مقدمتها مصر والسودان واثويبيا،
وفى اطار دول حوض النيل مجتمعة.
..............................
اعدت هذه الورقة على اساس مشروع بيان أعده الزميل حلمى شعراوى، الخبير
ومدير مركز البحوث العربية والافريقية، ومعلومات وردت فى مداخلة للاستاذ
احمد النجار رئيس تحرير التقرير الاقتصادى الاستراتيجى العربى واوراق اخرى.