أميرة الطحاوي* أن يكون تي شيرت قد لا يتعدى ثمنه في أحسن الأحوال عشرين جنيهاً مصرياً هو ثمن توقيع مواطن على توريث حكم البلاد لجمال مبارك، أو أن تتم البيعة بأخذ بصمة اليد على ورقة لا يعرف المواطن كيف يقرأها لأنه إما أميّ أو متسرب من التعليم أو تعلم ومع هذا "لا يفك الخط" فهذا أمر لا يخجل النظام من حدوثه أو استغلاله بل يحرص على ابقائه؛ إذ يحسن التعامل مع هؤلاء واستخدامهم لصالحه وحتى قمعهم إن ما تململوا. انهم كما في كل بقاع الأرض تقريبا: وقود الحروب وصوت الحناجر عندما يتجه النظام نحو اليمين القومي وهدف سهل الغواية من اليمين الديني، حيث يرتبط وجود واستمرار كثير من النظم القمعية على اختلافها بهذه الفئات من المعدمين والجهلة . و في حالتنا المصرية أصبحوا جزءا من الجمهور الذي يتوجه له الابن جمال عندما يريد بعض الحشد العددي القابل للاستغلال اعلاميا (مجرد رقم، عدد المهللين وصورهم، وعدد الموقعين أو بالأحرى الباصمين على مبايعته)، وهو في هذا خير سلف لأبيه حيث لم يقم الأخير أبدا بمشروع جدي من شأنه القضاء على الفقر أو الأمية في البلاد.
وعندما زار الابن منطقة العجوزة القديمة قبل عام عندما قرر النظام فجأة إخلاءها من سكانها بحجة ”تطويرها” جاء مفتاح التبسط و التودد لتلك الفئة من الفقراء مختلفاً. لا تشتري خطب المواطن المتعلم ولو جزئيا أوصاحب المهنة بنفس الثمن الذي تدفعه في المعدم أو الذي لا نصيب له من العلم أو التنور أو ذاك العاطل الذي لا يجيد أو يجد عملاً . هناك تسعيرة لابن مدينة نصر مثلا وأخرى لابن الدويقة أو قلعة الكبش أو منشية ناصر... الخ. تسعيرة مالية وعينية وأدبية. عبارات التأييد لجمال رئيساً في العجوزة انطلقت على لسان البعض وليس الكل وذلك عندما التقاهم بعد أن "عوضهم سكنياً بالفعل”. قارن الصورة هنا بالحجرات الاسمنتية الضيقة على أطراف صحراء أكتوبر التي ألقى فيها النظام سكان عشوائيات مدينة ناصر ممن أخليت مساكنهم بقرارات إدارية، أو المتضررين من سقوط صخرة الدويقة، لقد وضعوا أسرة واثنتين في غرفة واحدة، وعندما احتج الأهالي الأسبوع الماضي مطالبين فقط بشقة أكبر من تلك الـ ٢٣ متراً التي منّ بها النظام عليهم كان نصيبهم العصا الثقيلة للأمن...
لم يخجل أمين السياسات في الحزب الحاكم منذ ٣٢ عاما أن ينتخبه أو يبايعه المواطن مقابل عشرين جنيها (أرخص بكثير من ثمن الصوت في الانتخابات البرلمانية) لم يخجل الحاصل على تعليم أجنبي أن يكون مواطنوه من الأميين والجهلة ولا زالوا يحملون الختم أويبصمون! . (
النظام الذي يطالب مسؤل فيه المواطنين من ذوي الدخل المحدود أن يمتنعوا عن تناول اللحوم - حمراء وبيضاء- ويكتفوا بالبقول أو وجبة سمك زهيدة من حين لآخر هو نظام متعال لا يختلف عن رئيسه الذي طالما اتحفنا بعبارات سوقية عن العدد "اللي في الليمون" ونصائحه بعدم شرب "الشاي المحروق والمحلى بالسكر الزيادة"...وتكراره "كنا فنا وبقينا فين" ..، هذا قبل أن يتوقف فجأة قبل .عقد وأكثر عن ارتجال فقرات كاملة من خطاباته.
النظام الذي يقترح أن يرفع أسعار الكهرباء عندما يزيد استهلاكها في المناطق الفقيرة أو يقطعها عنهم لفترات طويلة هو نظام “يستكثر” على محدودي الدخل بعض المعاملة الآدمية ويريد عقابهم أو اثناءهم عن مزاحمة السادة في خدمات بسيطة بتعجيزهم ماديا .عن دفع ثمنها من دخلهم المحدود.
النظام الذي يطالب مسؤلوه بأن يسمح لركاب الدرجات الفاخرة في القطارات بالنزول في المحطات الرسمية فيما يحتجز ركاب الدرجات الاقتصادية لينزلوا على مشارف العاصمة هو نظام يحتقر مواطنيه ممن تدهورت أحوالهم المادية بسبب الفساد الذي يرعاه نفس النظام.
عن الذين "بصموا لابن الريس"
جوقة جمال مبارك التي ذهبت لمنشية ناصر قبل أيام ولم تخجل من كم الأميين الذين "بصموا لابن الريس" هي نفسها التي كانت تستدعي الأمن لضرب المتضررين من انهيار صخرة الدويقة. الفقراء والجهلة في مصر هم عماد استمرار الفاسدين سياسيا واقتصاديا. قد يصعب أن نواجه الفقر فيما نحن خارج دائرة التحكم في الموارد أو المشاريع الكبرى أو التخطيط أو صنع القوانين المتصلة ، لكن من قال أن الفقراء والأميين سيختفون مع اقصاء النظام الحالي (لو حدث..!) . مهمتنا التي يمكن أن نضطلع بها فيما نحن خارج السلطة هي محو الأمية الابجدية والاجتماعية معاً. تعليم الاميين وتوعية المنكفئين على حياتهم والمنشغلين بالتغلب على مصاعبها. الملتهين بلقمة العيش ان وجدت.
اختبار للمعارضة "الفاعلة"
وحيث أن أيا من هؤلاء لن يقرأ المكتوب هنا فليكن حديثنا للمعني الحقيقي بهم. اذا كان هناك معارضة جادة "ذات نفس طويل" في هذه البلاد فإن هدفها القابل للتحقيق يجب أن يكون تغيير ادراك ووعي الكثيرين من هذا الشعب. قدرتهم علي الاطلاع والإدراك والمقارنة والاستيعاب والحكم. أدوات ومهارات يجب أن يتسلح بها المواطن العادي لتفخر أنه معك باختياره الحقيقي وليس كرها أو حاجة. توعية وتعليم هذا الشعب. تنوير وتثوير سيتبعه بالضرورة التغيير المنشود. لا يمكن للمظاهرات أو التصريحات أن تجعل المواطن يدرك حجم الجرم الذي يرتكبه في حق نفسه وابنائه عندما يعطي صوته للفاسدين أو يبيع لهم بطاقته الانتخابية أو يبصم ويهلل لهم. وبدلا عن المشاريع الكبري الفاشلة لمحو الأمية وتعليم الكبار التي يرعاها النظام وعقيلة الرئيس، لننشيء نحن مشاريع حقيقية لازالة الصدأ عن العقول. فصول في مجتمعاتنا المحلية للتعليم المكثف بمناهج متسقة مع أعمار وظروف كل فئة. بعد سنوات سيسعى هؤلاء أنفسهم لمن يرونه الأفضل ليمثلهم أو يتولى أمورهم ويحكمهم. ليس بالضرورة أن يختاروا من مد لهم يد العون، لكنه أبداً لن يكون مماثلاً لهذا الفاسد الذي أذلهم وأفقرهم وحرمهم العلم واحتقرهم وحجم طاقاتهم مانعاً اياها أن تنطلق لبناء حياة أفضل، واستغلهم خانعين مكتوفي الايدي لصالح نفسه ولولده من بعده..
فاذا كنا حقا نقدر وطننا ونريد العزة لابنائه ونعتقد انهم يستحقون حياة افضل ٠وغير ذلك مما يرفعه المهتمون بالشأن العام ) فليكن هدفنا الدفاع عن حق المواطن في الاختيار "الواعي" وتمكينه من أن ينجو من هذا المصير؛ مصير التابع لمن يشتريه أو يخدعه حتي إذا ما قضى السيد منه غايته أهال عليه التراب
في ٢٠ أغسطس آب ٢٠١٠ .