السبت، 30 يناير 2010

توني بلير: ليس هذا الندم

يوم جميل ..أعوض ما فاتني أمس من احتفالات الشارع بنصر كروي؛ إذ يبدو أنه لم يعد هناك ما يفرحهم سواها: الكرة..أعود لأتابع شهادة توني بلير  - ليست تحت القسم لذا تبقي مجرد ردود أمام قانونيين ليسوا هم الأكثر خبرة في هذا الصدد كما تقول الصحف البريطانية -  بخصوص "أكاذيبه" حول مبررات الحرب على العراق، وشرعية دخول هذه الحرب. أمر يهم الناخب البريطاني أكثر؛ فمجمل الاتهامات تتعلق بالتزاماته هو تجاه هذ الناخب ..هذا الشهر صدر في هولندا تقرير حول سلوك الحكومة وقتها من دخول هذه الحرب، أو بالأحرى الوعد الذي قدمته بدعم المعسكر الأنجلو الأمريكي الذي بدأ هذه الحرب.... لا هنا ولا هناك - في الاستجوابات او لجان الاستماع التي تأخذ شكلا حكوميا - من يتوقف كثيرا في انتقاده لحكومة بلاده عند مسئوليات القوات الأجنبية تجاه مواطني بلد يعد قانونيا تحت الاحتلال، رغم انهم مهتمون تماما بالجانب القانوني لدخول بلادهم لهذه الحرب او دعهما او المشاركة فيما تلاها من ترتيبات..ترتيبات تذكرنا بما صكه الرفيق برايمر- علي كولة العراقيين- باسم سلطة الائتلاف المؤقتة بالعراق ، اختصارا: سي بي ايه، انهم يسألون أو يستنكرون بالأخص "الكذب" في تبرير الحرب أو في اعطاء وعود لواشطن بدعمها حال قيام الأخير بشن تلك الحرب بالفعل.
أتابع عبر تويتر تحديثات وتعليقات طريفة عن اللجنة وأقوال بلير أمامها..تويتر طلع مفيد والله ..يذكرني بمحاضر كان يقوم بتقليب وحرث تربة أفكارنا. حتى هؤلاء الذين يعانون من مرض فيض الافكار حد الـ"دلدقة" هم مفيدون لك بصورة أو بأخرى، استراحة ونبدأ في التفكير بعد هذا التمرين الذهني..... لابأس: بعض الحرث ينفع المعدة.. الأمر مشابه لما نقرأه سريعا في المدونات وبدرجة أكثر اختصارا في الصديق الجديد: تويتر..لكنني كسولة جدا هذه الأيام وأكولة أيضا! بالكاد أنهي كتابة تعليق أو أضع خطوطا رئيسية لمادة..لازال جهاز التلفزيون مزويا في جانب من الحجرة منذ تعطل: أرمقه بأسى. عبر موقع بي بي سي أتابع كلمات بلير ولجلجته المحببة للبعض..من بين هذا البعض من كان يعتبر افكاره ثورة تنحو لليسار عندما ظهرت كبديل خامس أو عاشر ( هل قال أحد الثالث؟ ) يااه .
فجأة يذكر الرجل البصرة: فأذكر من هجروا منها على الهوية: المندائيون أقدم شعوب العراق، يذكر السلام الذي أصبح فيه العراق والعالم، فأذكر المسيحيين وبعض السنة ممن تعرضوا لاعتداءات في البصرة أيضا - حيث تواجدت القوات البريطانية. للأمانة كان البريطانيون أفضل بمراحل من الأمريكيين في تعاملهم "المباشر" مع العراقيين: في الحقيقة لاعلاقة لذلك فقط بتجارب الاستعمار وتاريخه .  والا لماذا نجح الدنمركيون واليابانيون مثلا في تقديم بعض الخدمات جنوبا؟ هل لأنهم هؤلاء جاؤا بالأساس لتقديم خدمات لم ترتبط بدخولهم الحرب، وحتي لو حصدوا مكاسب مقابل هذا الوجود؟.
أقرأ عن جسر هناك - في البصرة نفسها- تعرض اليوم  للانهيار ..طالما تحدث بلير عن الخير الذي جلبه للعراق: فلماذا لم يرمم البريطانيون هذا الجسر قبل أن يرحلوا؟ لا لا...  لم يكن عليهم أن يفعلوا؛ فكثير من أعمال ما يسمى بالترميم والتي قام بها الأمريكيون والايطاليون في الجنوب كانت تكشفها مياه الأمطار. وقضايا الفساد التي طالت النذر اليسير من أعمال البناء هناك لا تسر.
في مارس آذار ٢٠٠٣ كنت مرتبكة: لم أكن ضد الحرب تماما وقتها ..ولم أكن معها ايضا ..لم يكن خوفي من تبعاتها او نية اطرافها بقدر الخوف مما ستجنيه من نفوس..كان خوفا من يوميات الحرب التي لم نكن نتوقع أن تكون ٢٠ يوما..كنا نتندر عمن يقول ان الحرب ستقضي على البنية التحتية للعراق " كابل اكو بعد بنية تحتية بالعراق يوبا"..عندما بدأت الحرب قلنا ودعونا آن تنهي صدام سريعا وتنتهي! ..كان من أبغض الأصوات من تنبأ أنه بمجرد سقوط صاروخ المعركة الأول فسينقلب الجيش وينهي "السالفة" في ساعات..المارينز العرب يمسكون الأقلام ..والآن يدقون على لوح المفاتيح ويفتون في كل شيء... وبعدما انتهت الحرب بقليل كنت بالعراق.. أتنقل في كل العراق إلى أن لم يعد هناك مكان آمن فيه سوى كردستان وبعض محافظات الجنوب... بعد عامين عدت لاضيف لـ"يقيني" القديم : بأن التخلص من الطاغية صواب ..لكن معرفة ما الذي سيخلف هذا الوحش هو عين اليقين.
بلير يقول اليوم أنه غير نادم لاسقاط صدام....لكن السؤال الموجه لك لم يكن هكذا أصلاً!.ليس هذا الندم ما يسألونك عنه.

الصورة عن موسوعة النهرين

S C