الأحد، 4 ديسمبر 2005

أيام حقيقية في حياة المدونين الافتراضيين بمصر

http://www.aljesr.nl/culture/2311200514.htm
أيام حقيقية في حياة المدونين الافتراضيين بمصر


محمد حسنين هيكل
هيكل يشيد بالبلوغرز!
"أنا من أكثر الناس اللي بقرالهم النهارده البلوجرز، أنا بقرا لحد معرفوش، فيه ظاهرة في الإنترنت المجتمع اللي إحنا مش شايفينه أمامنا فيه واحد بيكتب باسم مستعار، اسمه بهية، معرفش مين بهية دي، لكن والله أنا بطلب من مكتبي يدونوا لي مقالات بهية كل ما تطلعلهامقال أنا بقراه باهتمام و باحترام أكبر مما بقرا لأي صحفي في أي جريدة".

يوم الانتخابات الرئاسية في مصر 7 سبتمبر الماضي فاجأ الكاتب المصري المعروف "محمد حسنين هيكل" مشاهديه بقناة الجزيرة بكونه يتابع البلوغرز المصريين – المدونين؛ ممن يكتبون أفكارهم ويومياتهم عبر الإنترنت، وأنه يرى بعضهم أفضل من كتاب سياسيين.

ربما لم يخبر أحد "هيكل" بأن بهية أيضا اسم مستعار لثلاثة من الشباب المصري بأميركا، وأن هناك كثيرين يدونون من داخل مصر بالعربية كما الإنجليزية، وتتراوح اللغة المستخدمة في التدوين بين العربية الرصينة والخواطر الأدبية وحتى اللهجة المصرية الدارجة، مثلما تتباين الموضوعات المنشورة والاتجاهات، وتجد أخبار المظاهرات وانتهاكات حقوق الإنسان بمصر مكانًا لها في صفحات هؤلاء المدونين، عندما تضيق بنشرها الصحف الرسمية، وتنقل عنهم الصحف المصرية المستقلة والمعارضة هذه الأخبار؛ لأن بعضهم ببساطة هم من المتظاهرين والنشطين سياسيا، وأنهم بدأوا مؤخرا بالعمل على أن يلتقوا دوريًّا لمزيد من التواصل والتنسيق، لم تعد حياة المدونين إذن كما يتصور البعض مجرد سباحة في عالم الإنترنت.

اعتقال مدون على هامش أحداث الإسكندرية الطائفية
كان آخر ما كتبه المدون المصري "كريم عامر" (مسلم) في 22 أكتوبر2005، تعليقات ومشاهدات على أحداث العنف الطائفي في الإسكندرية، قبل اعتقاله في 26 من الشهر ذاته؛ بينما كانت المظاهرات غاضبة تجتاح المدينة، احتجاجًا على مسرحية عرضت ليوم واحد في إحدى الكنائس قبل عامين، واعتبرت مسيئة للإسلام، وبعد تسريب فيديو مصور لها قام آلاف المسلمين بمهاجمة كنيسة، وقام شاب مسلم بطعن راهبة، وقبطي حاول الدفاع عنها.

"كريم"؛ الذي لم يكن يكتب فقط باسمه المباشر ببعض من التعديل على غير عادة كثير من المدونين ممن يستخدمون أسماء مستعارة أو ألقابًا، بل وضع في موقعه – مدونته http://karam903.blogspot.com اسمه الحقيقي رباعيًّا، عنوان منزله، هاتفه المحمول، وسنة دراسته في كلية جامعة الأزهر المعقل الأكثر محافظة في مؤسسات التعليم المصرية.

المدون الشاب "كريم" العضو في حزب الغد الليبرالي بقيادة "أيمن نور"، كان له مشاركات سابقة في الموقع العلماني اليساري المعروف "الحوار المتمدن" واهتم بقضايا المرأة بشكل خاص، وعمل مراسلا لموقع copts-united.com الأقباط متحدون، كما أنه لا يخفي معارضته للنظام المصري، وانتماءه لحركة كفاية، وبدأ موقعه منذ أبريل الماضي فقط؛ لكن يضمنه أشعارا وكتابات في فترات سابقة.


المدون المصري "كريم عامر"
حملة سريعة قام بها زملاء "كريم" الافتراضيون من المدونين المصريين، وكان هناك زملاء آخرون يبدون اعتراضهم بشدة على ما يكتبه "كريم"؛ لكنهم بالمقابل يؤكدون تضامنهم معه بصورة أو بأخرى، اختلف هذا التضامن من إطلاق بيانات في عدة مواقع إلى مقابلة ثلاثة من المدونين لعائلة "كريم" بالإسكندرية، إلى تخصيص أحد أشهر المواقع المصرية ـ مدونة "منال وعلاء" ـ مساحة خاصة لكل ما ينشر حوله، في حين حاول المدون "مالكوم إكس" و"عمرو غربية" – أو صاحب الأشجار – المساعدة في الدفاع القانوني؛ لكن المشكلة أن أحدًا لم يكن يعرف إلى أين أُخذ "كريم" تحديدًا؟؟؟

والأهم أنهم لم يجدوا دعما كافيا من أهل المدون؛ فوالده عائد من العمرة بالأراضي السعودية قبل قليل من اعتقال ولده، وبعضهم آثر الصمت، حيث أن كلاما تواتر عن أن ما كتبه عن تورط سافر لجماعات أصولية في تزكية العنف الجاري بالإسكندرية هو السبب الحقيقي وراء اعتقاله.

تفاوت تعاطف المدونين المصريين مع زميلهم.. رصده المدون BEYOND NORMAL (لنتعد الطبيعي)؛ قائلاً: "فكلّ مقال أقرأه يبدأ بـشيء مثل: "أكره عبد الكريم"، "أختلف معه بشدّة"، "ده يستاهل كسر رقبته"، "ده حتّى أحول وشكله معرفش إيه"، "أطلقوا سراح اللي ما يتسمّاش..."، "طلعوه وسيبوني عليه"، وهكذا، وطرح سؤالا هامًّا حول السؤال: "هل نحنُ تحت ضغط اجتماعيّ لندافع عن "عبد الكريم"؟ لكي ننال رضا المجتمع التدويني".

كتاب الصحافة الورقية لم يهتموا كثيرا بشأن اعتقال شاب مصري لآرائه، عدد محدود منهم أبرق ما تناقلته وكالات الأنباء، الشبكة العربية لحقوق الإنسان أبدت احتجاجًا على اعتقال الشاب، البقية كانوا منشغلين تماما بالأعياد، وبالتحضير للانتخابات البرلمانية بالبلاد.

أخيرا، وفي 14 نوفمبر زف "كريم" للجميع الخبر بنفسه قائلاً: "تم إطلاق سراحي بالأمس بعد اعتقال دام ثمانية عشر يومًا.. قضيت ستة أيام منها لدى إدارة مباحث أمن الدولة بالإسكندرية "الفراعنة" واثني عشر يومًا في سجن مزرعة طرة العمومي بالقاهرة، وأنا الآن بخير، ولا يسعني الآن سوى أن أتوجه بالشكر إلى جميع من ساندوني في محنتي الأخيرة ممن تربطهم علاقات صداقة بي، ومن لم يلتقوا بي على الإطلاق، ولكن جمعني بهم الانتماء الإنساني دون الانتماء الفكري ـ بالضرورة ـ فأشكرهم من أعماقي، وأتمنى للجميع دوام التوفيق، وأعدكم أن أسطر في القريب العاجل ذكرياتي عن سجن مزرعة طرة، ونزلائه الذين التقيت بهم".

توالت التهاني لكن معها تساؤلات قلقة، فعلق أحدهم ـ ibn_abdel_aziz ـ على خبر الإفراج عن "كريم" بسؤال يتردد قطعا لدى البعض، وإن لم يسألوه مباشرة، وهو: "هل المدونون الآن في وضع يجعل الحكومة قلقة منهم أم لا؟ ”بينما تهكم أحدهم ـ Storm-petrel ـ على عدم وقوف حزب الغد معه، ناصحًا إياه "لا تنس تمزيق كارنيه حزب الغد"، وهو ما قام به "كريم"؛ حيث أعلن بعدها أن هذا الحزب "منافق"!

جوائز دولية
مفاجآت أخرى سارة كانت في انتظار المدونين المصريين، أولها فوز "دلو منال وعلاء" بجائزة "مراسلون بلا حدود"، التي تنظمها إذاعة "دويتشه فيليه" الألمانية؛ النتيجة التي أعلنت مبكرًا عن موعدها المفترض في24 نوفمبر، احتجاجًا من اللجنة المنظمة للمسابقة على حجب حكومة بكين لأحد المواقع الصينية (Wang Yi's Microphone) المرشحة للتنافس في مرحلته النهائية، يذكر أيضا أنه من بين ثمانية مدونات مرشحة في فئة المدونات باللغة العربية، تأتي 6 منها من مصر وهي: "طي المتصل" و"حوليات صاحب الأشجار" و"الوعي المصري" و"طق حنك" و"لنتعد الطبيعي" و"العدالة للجميع".


شعار منال وعلاء
"منال وعلاء" موقع متنوع لا يتوقف عند تدوين اليوميات؛ لكنه يقدم خدمات إلكترونية مجانًا، ويطرح خبرات العمل السياسي، والدفاع القانوني عن معتقلي الفكر، ومما جاء في كلمة اللجنة المانحة للجائزة: "(منال وعلاء) سيظل علامةً فارقةً في تاريخ التدوين المصريّ والحركة السياسيّة في مصر. في مدوّنتهما (أودلو المعلومات).. تقرأ عن حياتهما الشخصيّة، وجهودهما في نشر نظام "اللينوكس" في مصر والبرامج المفتوحة، كذلك تجد عالمًا حيّا من النشاط السياسيّ، والدفاع عن المظلومين وسناء الرأي؛ بل قد تجد مظاهرات في طور التخطيط والتنفيذ. إلى جانب هذا، يوفّر "منال وعلاء" خدمات برمجيّة، ويستضيفان مواقع متنوّعة، وفي مدوّنتهما قسم لتجميع كلّ ما يكتب في المدوّنات المصريّة من مختلف أنحاء الطيف السياسيّ".

أما جائزة أفضل مدونة باللغة العربية؛ فكانت من نصيب "حوليات صاحب الأشجار" أقدم المدونين المصريين؛ الذي كان قد أنهى لتوه تعريبًا كاملا ومتسقا وسليما لغويا لمنصة التدوين "وردبرس"، ويقول: إنه يسارع في "النقل إلى "نظام إدارة المحتوى دروبال"، والذي قارب تعريبه على الانتهاء أيضا بنسبة التسعة أعشار. يتيح "دروبال المزيد" لصاحب الموقع ومستخدميه القيام بما هو أكثر كثيرًا، وهو النظام الذي ننوي استخدامه في تقديم خدمة استضافة مدونات عربية الواجهة، مما يوسع من المحتوى العربي على "وب"، ويزيد من جودته".

جائزة أخرى تلقاها مدون مصري "مصطفى"؛ ضمن فريق عمل "غلوبال فويسيز أونلاين"، التي فازت بجائزة "أفضل مدونة صحافية بالإنجليزية".

كانت أيامًا حافلة إذن للمدونين المصريين؛ بين اعتقال أحدهم والإفراج عنه، وجوائز دولية؛ ثم اختتمت بشهادات الصدمة التي دونها معظمهم حول مشاهداته في الانتخابات البرلمانية الجارية حاليًّا بمصر.

(الجسر: أميرة الطحاوي ـ القاهرة)

S C