الاثنين، 27 أكتوبر 2008

حتى الباباراتزي لا يفعلون ذلك

كتبت أميرة الطحاوي

نشر موقع اليكتروني عربي صورة”سربت”لجثة المغنية اللبنانية القتيلة”سوزان تميم”وهي بعد مسجاة على الأرض فور الكشف عن الجريمة *.

الموقع تعلل أنه فعل ذلك لتبيان بشاعة الجرم”فعل القتل”وكأن إزهاق روح بغير حق غير كافٍ بمفرده للتجريم، وعندما حذف الموقع الصورة بعد أن جذبت آلاف المتصفحين وأكثر من مائة تعليق في ساعة تقريبا، فسر تصرفه بأنه”احترام”للخصوصية وامتثال لطلب البعض مراعاة أسرة القتيلة وما شابه.

الموقع الذي بدأ قبل ثماني سنوات في لندن يعرف قوانين هذا البلد والتي تجرم هذه الأساليب الرخيصة.والمشتغل في الإعلام بأنواعه يعرف هذه القواعد ولا ينتظر تعليقات القراء ولا رسائل ذوي القتيلة ليعدل عن خطأه.، وهناك أمر آخر وهو حق أولياء الدم في عدم نشر ما يمس فقيدهم أو يجرح شعورهم. والمخجل أن يستغل برنامج حواري رأي الجمهور عبر التصويت بالهاتف – سعر الدقيقة جنيه ونصف - لعرض نفس الصورة، ثم يمتد التصويت ليوم آخر لأن الموافقين على نشر الصورة بالكاد 51% من المصوتين؟ مرحبا بالانصياع وراء رغبات الغالبية على ألا تشكل خرقا لقاعدة مهنية وأخلاقية بسيطة.

وليس ببعيد ما حدث يوم وفاة المخرج المصري يوسف شاهين عندما أعادت مواقع وفضائية مصرية نشر صور ولقطات لنقله وهو في غيبوبة في سيارة إسعاف كانت تنقله للعلاج بالخارج سابقا.. نقابة الصحافيين المصرية لم تعلق لكن قالت في حادثة النشر الأولى أنها ستحقق في الأمر وأسرة المخرج لم تكن متفرغة لمقاضاة من نشر هذه اللقطات، وعندما أعيد بثها مرة أخرى بعد وفاته لم يتحرك أحد. فهل يتصور البعض أنهم بهذه الخبطات قد أتوا بما لم تأت به الأوائل..أصبحوا باباراتزي مثلا؟

هذه أيضا مردود عليها فحتى مقتنصو الصور واللقطات بالخارج لديهم حد أدنى من القواعد المتفق عليها.. الممثلة الأمريكية جوليا روبرتس لاحقت بسيارتها أحد المصورين لأنه التقط صورا لأطفالها، ووبخته مذكرة إياه انه يمنع تصوير أطفال المشاهير في مدرسة أو ما شابه، وهو عرف بين صحافيي الفضائح واقتناص صور المشاهير على غير رغبتهم، جوليا متزوجة من مصور أيضا.

وفي مايو الماضي نشرت صحف أوربية عن المتاعب التي تواجهها عائلة الفتاة النمساوية التي تعرضت للاختطاف والتعذيب والاغتصاب على يد والدها لأربع وعشرين سنة متصلة. الفتاة وأبناؤها الستة من الأب يعيشون الآن في منطقة غير معروفة للإعلام. وقد اتفق الصحافيون والمصورون المحليون على ألا يتم اختراق خصوصية هذه العائلة وعدم نشر ما قد يسبب مزيدا من المتاعب لهذه الأسرة رغم تيسر لهم بالأخص أنه يمكن الوصول لأفراد الأسرة الكبيرة والمعلنة أسماؤهم.

لكن الملاحقة جاءت من إعلاميي دول أخرى: فأكثر من عشرين مصور بريطاني وصلوا لمدينة”اميشتيتين”فيما حاول بعض مصوري البابارتزي من السويد ودول اوربية أخرى الوصول لغرفة الفتاة الكبرى كريستين ١٩ عاما بينما كانت لم تزل في غيبوبة استمرت شهرا. بعض المصورين تسلقوا الأشجار وقد أصيب حارس عندما وقع من شرفة أثناء مطاردته لأحدهم وبحسب الجارديان فإنه كان مشهدا غير مألوف في المدينة الهادئة. ممرضة تجري وراء مصور لتمنع التقاط صورة لمريضتها..الممرضة تفهم أن المريض أمانة لديها.

وقالت تقارير أن أحد العاملين بالعيادة النفسية التي تعالج فيها كريستين قد التقط لها صورة معتزما بيعها بمبلغ ٣٠٠الف يورو- ٢٤ مليون و٣٠٠ ألف جنيها مصريا والله اعلم- فأصدرت إدارة العيادة تعميما فوريا أن مثل هذا التصرف لو حدث فسيهدد الحياة المهنية لمن يقوم به وسيكلفه تعويضا ضخما أكثر بمراحل مما قد يجلب عليه بيع صورة ملتقطة خلسة لفتاة مريضة فاقدة الوعي. وكانت معركة أخرى مع طاقم التلفزيون البلجيكي بسبب محاولتهم دخول المستشفى الذي تعالج فيه الفتاة.

ويتكرر أن يحرص المصورون على التقاط الصور للمتهمين رغم رفض هؤلاء ووضع أيديهم أو مناديل أو حتى ملابسهم على وجوهم لكن لا مفر.

وفي أحيان كثيرة يحرص الإعلام العربي على ألا تغضب القراء بما تنشره ويتعارض مع ثوابت قيمية لدى هذا الجمهور: تقاليد أو دين، وبالطبع تراعي القانون حتى لا تقع تحت طائلته، لكنها قد لا تتردد في اختراق قواعد أشمل تعد نواميس كونية وثوابت بين العديد من الثقافات الإنسانية وما يسمى بكريم المعتقد؛ ومنها حرمة الجسد البشري وحق الآخرين في احترام خصوصياتهم.

و عل هناك من يذكر متن الحديث الذي نهى فيه الرسول محمد عن التمثيل بالجثث حتى لو كانت لحيوان ميت..وفي نفس الحكم يجب تجريم نقل صور القتلى إلا باستثناءات محكمة.

ويحدث أن يكون نقل صورة الجثة لهدف كتأكيد وفاة شخص – مثلما حدث مع ابني صدام حسين عندما قتلتهما القوات الأمريكية في 22يوليو2003وما يحدث عند نقل صور مطلوبين لحكومات- وحتى هذه اللقطات قال البعض أنها لم تكن لتقتحم كل البيوت بل يقتصر عرضها لغرض التيقن على المختصين ووسائل الإعلام، ثم تقرر الأخيرة إذا ما كانت ستعيد نشر الصور لجمهورها أم لا.

ويفترض أن الصورة تلعب دورا في توضيح الخبر أو تكون هي مصدر الخبر، و "صورة واحدة أصدق من ألف خبر"لكن الواقع أن حتى الصور قد تكذب أحيانًاً، إذ جعلتها مدارس صحافية تسحب القاريء لخيالات وتهاويم لا علاقة لها بالمنشور، وأحيانا ما يتم نشر الصورة كتعويض عن هجوم”إحنا صحيح شاتمينك..بس منزلين لك صورة كده" وغير ذلك الكثير.

وقد شاهدت لقطات من مسلسل عرض مؤخرا في رمضان وقد عاقبت نفسي بمشاهدة الحلقة كاملة يقوم فيه المصور باستعراض كيف استخدم”ثقل دمه وغتاته وتحايله”حتى التقط الصورة بالضد رغبة صاحبها، ثم يشكو أن كل المجد ذهب لمن كتب الخبر المصاحب للصورة.

و في كتابها" الالتفات إلى ألم الآخرين” تعرض سوزان سونتاج لتوظيف الصورة في الحرب والسلم، (أيضا في كتابها ”حول التصوير” ومقالات أخر ) كيف يجب أن يخضع الصحفي لمباديء لا تسيء الغرض من نشر الصورة فتعطي القاريء معنى آخر، كما تورد أمثلة وشواهد عما كان يفعله بعض المصورين بالأخص في الحروب من اتخاذ زوايا للتصوير تجعل الصورة تنطق بغير حقيقتها إما لتعظيم النصر بإظهار صور قتلى وأسرى الأعداء أو بإظهار قوة وإصرار المنتصر الخ.

ويبدو أن دروسا كثيرة في استخدام الصورة ونشرها علينا جميعا تعلمها قبل التفاخر بنشر صورة لجثة قتيل أو مريض يحتضر باعتبارها سبقا صحافيا.هي سبق بالفعل ولكن في الاستخفاف بحرمة الجسد البشري وهيبة الموت.

عن جريدة نهضة مصر

* جريمة في دبي تقض مضجع القاهرة


S C