الأحد، 7 سبتمبر 2008

الخبر الذي يستحق حظر النشر فعلا في مصر


أميرة الطحاوي

الأسبوع الماضي: تنشر الصحف المصرية عن تبرع دبلوماسي عربي لطفل مصري فقد ذراعه في ورشة للطوب حيث كان يعمل، عندما أراد الأطباء إجراء جراحة لاعادة الذراع لم يجدوها ..فقد دفنها أصحاب الورشةفي مقلب زبالة تهربا من المسئولية! قبلها بأسبوع أيضا كان خبر مقتل طفلين بالفيوم أثناء عملهما في مزرعة..سقط عليهما جدار فمات أحمد وعلاء(١٢ و١٤ عاما) وجرح أطفال آخرون، وعندما سألوا الأخ المحافظ قال أن هناك ٢٨٠ الف طفل عامل في المحافظة..فقط للعلم: ربع المليون رقم يعني ٢٥٠ ألف.

نشرت هذه الأخبار ولم تتشنج أجهزة الدولة الأمنية والسياسية؛ فليس بها ما يحرج أحدا أو يخجله، أوما يضر بالمركز الاقتصادي لأي من الكبار حتى يصدر أمر بمنع نشره؛ فمن العادي جدا أن يموت الأطفال في بلد تفتتح فيه قرينة الرئيس كل حين مكتبة، حتى لو أعيد افتتاح نفس المكتبة مرتين أو ثلاث، وحتى لو كانت نسب التسرب من التعليم ترتفع مثلما نسب التلاميذ الذين لا يتعلمون شيئاً.المهم مكتبة حديثة وطلاء فاتح حتى ولو في قرية متربة، حتى لو أن الأطفال بحاجة لمدرسة حقيقية تعطيهم وجبة غذاء وبحاجة لمستشفى يعالجهم مجانا. ولا أحد يهتم أن تصل القسوة في التعامل مع الأطفال العاملين لحد تعريضهم للموت والاصابة بعاهات مستديمة دون قرار بعقاب حاسم؟ دون موقف من الهيئات الصحية والاجتماعية .دعك من الإعلام الرائد فيكفي الصحف الرسمية والتلفزيون الحكومي نشر تغطية يومية عن مهرجان القراءة للجميع. وكيف سيبعثرون الكتب في الحدائق العامة ليجبروا الناس على القراءة مجانا.. وكيف سيجعلون الأطفال في المصايف يحبون القراءة حيث سيتم توفير الكتب لهم تحت المظلات على البحر.. فالأطفال في مصر لا يسقطون تحت أسوار المباني التي يعملون بها في الصيف.. الأطفال يصيفون طوال الصيف..نعم.. هذا هو الطبيعي..لا يضطر طفل للعمل ليحصل على قوت يومه..ربما في الشتاء والصيف معاً.
وتنشر اعلانات هذا المهرجان الذي تستلهمه منا الأمم لشباب ببشرة متوردة يقرؤن في كتب أجنبية.. بالتأكيد هؤلاء الشباب كانوا يعملون "أجرية" في المزارع صغارا ثم فتح عليهم الله وأصبحوا نجوم إعلانات ويقرؤن بالافرنجي أيضاً.

حقا من ينتبه لأكثر من ثلاثة ملايين طفل عامل تقريبا في مصر .. أي أكثر من ثلاثة ملايين طفل يتعرض لخطر الموت أو المرض اثناء عمل موسمي أو دائم لمدة قد تصل لأكثر من ١٢ ساعة، يعمل ليطعم نفسه وأحيانا أسرته معه، وهو لا مكان له في أجندة أحد تقريبا .. هؤلاء الملايين الثاثة سيصبحون شبابا بعد أقل من عشر سنوات : أي سيصبحون نسبة تحصى بالتقدير الحسابي من شباب مصر ( الذين هم الآن أكثر من ٣٠ من هرمنا السكاني ) لكن لماذا نتعجل الأمور ..لما يكبروا يحلها حلال بقى.. هم قطعا ليسوا أفضل من شباب "المستقبل" الذين يظهرون مبتسمين دوما ويهزون أكتافهم بهستيرية في التلفزيون ..ولا أحد يعرف لماذا يضحكون أو يقهقون.. ومن أين ينفقون وماذا يقدمون من عمل يفيد؟

غالب الصحف الآن تتلاشى الحديث عن عمالة الأطفال .. اصدروا هم قرارهم بحظر النشر
مقتل اطفال .. هل هذا هو الخبر الذي يستحق فعلا حظر نشره؟ هل يشعر أحد بالخوف أن يعمل ٢٨٠ الف طفل في محافظة واحدة ..ألا ينمو هؤلاء بصورة طبيعية وصحية..هل يهم أنه من بين شرائح معينة في مصر يصبح المكان الطبيعي للطفولة هوسوق العمل الرخيص تحت أسوأ الظروف الصحية التي تصل لحد الموت والعاهات المستديمة والأمراض الخبيثة.. رجاء لا يستخدم أحدكم كلمة اغتيال الطفولة وما شابه ..حتي لا يقع تحت طائلة حظر النشر أو الاساءة لسمعة البلاد عظمها الله من سمعة.
سوف تتكرر الحادثة غدا وبعد الغد، وسيموت الاطفال في حوادث تنشر لا لتنبه ان هناك كارثة ولكن ليصبح الامر اكثر من عادي..هل تذكر حادث محجر المنيا الذي فرمت الآلات فيه اجساد ٢٥ طفلا.. فرمتهم فرما.هل تعرف مفرمة الكفتة؟ اللحم يتحول الى عجينه واحدة.. هنا اللحم والعظم معا .. حتى أن إحدى الأمهات ذهبت لاستلام جثة ابنها الطفل الذي لم يتعد عمره »11« عاماً لكنها لم تتعرف علي جثته بسبب تقطيع جسده لأكثر من »36« قطعة بعدسقوطه أمام »الحشاشة« التي تقوم بتقطيع الحجارة. حدث هذا منذ عامين في مدينة تبعد ٣ ساعات تقريبا من العاصمة.

بحسب شهادات عيان فإن الأطفال في المنيا - وعددهم ٢٥ طفلا ماتوا كلهم ، ٢٥ لا تنسى.. لم يجدوا أي وسيلة أمان أو سيارة اسعاف لانقاذهم عند سقوطهم أمام الآلات الحادة المستخدمة في تقطيع جبال الحجارة !.
١٩٩٥: يصر د. أحمد عبدالله رزه على إهداء كتابه عن عمالة الأطفال لنوسة أو فاطمة السايس.. الطفلة التي ماتت بعد سقوطها ومن معها في سيارة “حشر” الأطفال غير المغطاة في طريقهم للعمل بمزرعة ؛كان حدثا فارقا ومأسوياً..الآن الأمور تتطور في مصر .نحن في عصر السرعة..لا تنسوا .وبحسب المنشور وبحسبة بسيطة فسوف يكون هناك قريباً طفل يموت كل يوم في مصر أثناء العمل وبسببه..وسوف تنشر أخبارهم وصورهم وأسماؤهم بكل بساطة .. ستنشر مثل أجسادهم ودمائهم وأرواحهم.. التي نشرت بالآلات الحادة.
* لاحظت أن الأخبار الثلاثة بتفصيل ومهنية عالية من مصدر واحد..جريدة الوفد.
1 سبتمبر٢٠٠٨
- نهضة مصر

S C