الجمعة، 10 نوفمبر 2006

العنصريون الجدد في السينما المصرية:قاطعوا هذه الأفلام


إياك أن تضحك مع العنصريين الجدد في السينما المصرية
كتبت/أميرة الطحاوي

قبل أي شيء علي أن أتقدم أولاً بشكر تأخر أكثر من 15شهراً لاثنين من نقاد مصر السينمائيين الذين لا أعرف أيهما بصفة شخصية، أولهما طارق الشناوي الذي كتب بجرأة عن فيلم من أفلام الإضحاك المفتعل والذي عرض العام الماضي، واشتمل مشاهد تتخذ من لون أحد الممثلين مثاراً للسخرية، كتب الشناوي وقتها تحت عنوان "عيال حبيبة يهين أصحاب البشرة السمراء" قائلاً "عجبت و شعرت أيضاً بقدر لا يُنكر من الاشمئزاز من تلك السخرية التي انهالت على الممثل سليمان عبد العظيم و هو يؤدى دور شاب أسود اللون .. سخرية سوقية و صبيانية لا تليق فكرياً و لا إنسانيا لأنها تصل إلى حد ازدراء صاحب البشرة السوداء و هي سابقة خطيرة لا أدرى كيف تجاوزت عنها الرقابة ، لم ألمح شيئاً من التميز الخاص لدى صناع الفيلم أنه نوع من التلفيق الدرامي ... الكل كان له هدف و لكن لا أعتقد أن أياً من تلك هذه الأهداف قد تحقق" كان هذا في جريدة صوت الأمة بتاريخ الخامس عشر من أغسطس 2005 ، والشكر الآخر للناقد أحمد يوسف الذي كتب في جريدة العربي القاهرية بتاريخ 21أغسطس2005 قائلا عن نفس الفيلم-الفضيحة " إنها نفس الضحكات العنصرية المريضة من أصحاب البشرة السوداء التي أصبحت علامة مسجلة في أفلامنا الأخيرة، في إفيهات مثل الناس دي اتحرقت قبل كده؟!! وهو الأمر الذي يجعلك تبوس أيدي صناع الفيلم لأنك لا تريد أن تضحك وليذهب هذا النوع من الكوميديا إلى الجحيم"
ما جعلني أكتب هذه المقدمة لهذا النص هو أن نفس مؤلف الفيلم محل النقد المشار له "أحمد عبد الله" يعرض له حالياً فيلم آخر به من الافيهات العنصرية ما لم يستح منها حتى الشركة المنتجة إذ جعلت أحدها ضمن حملة دعايتها، وهو فيلم بعنوان يدل على عقلية صانعيه "عليا الطرب بالتلاتة"، وفيه يقبل ممثل أسود البشرة علىمجموعة من الجالسين فيصيح المهرجون/الممثلون "اهوه الفحم وصل" فيضج الجميع بالضحك، ولست أعلم إذا كان الجمهور بصالات العرض (السينما) قد شاركهم بدوره الضحك على الأقل بحكم الإيحاء، فلم أشاهد الفيلم و لن أفعل..لكنني قطعا سيزيد حزني إذا علمت أن هذه المدرسة الرخيصة في الإضحاك يزداد جمهورها مصرياً، أعلم أن هناك تراث قديم من هذه السقطات جعلتها عرفا ومفتحا للإضحاك وهذا أمر آخر يجب علاجه، لأنه يعني أن هناك في تربية الجيل الناشيء إما أحكاما قيمية وانقاصا للآخر المختلف لونا أو معلومات مشوهة عنه.
وعندما عرض فيلم عيال حبيبة شاهده صحفيون سودانيون كانوا بمصر، وكتب أحدهم(الرشيد علي عمر في جريدة الصحافة السودانية -عمود شريان رياضي) بعنوان "ملطشة وفضيحة سودانية بمصر في فليم عيال حبيبه.. نصر السوداني والريحة الوسخة ‏"...وقال "نصر السوداني ‏المشار إلى جنسيته مقرونا بصفة الريحة‎ ‎الوسخة هو أحد شخوص هذه الرواية ‏يرتدي زينا القومي من جلابية وعمه وملفحه‎والجملة المقززة- نصر السوداني أبو الريحة الوسخة- المشار اليها ‏تتدفق بلا حياء على لسان اكثر من نجم عندما يظهر هذا‎ ‎السوداني لتمثل احدى ‏مرتكزات الفيلم الفكاهية" وذلك في الرابع من ستمبر2005 وبما لم يطلع الزميل على انتقادات الشناوي ويوسف للمشاهد المخزية المشار لها ، ويحسب له موقفه الايجابي بطرح مثل هذه القضية للنقاش العلني، خاصة أن بعض السينمائيين السودانيين يقبلون العمل في هذه المساخر العنصرية، أتذكر وقتها أننا رغبنا -كاتبة هذا النص وأصدقاء سودانيين- في تقديم بلاغ لوقف عرض الفيلم أو لحذف المشاهد العنصرية، و حالت ظروفنا وتكاسلنا دون ذلك، وأحزنني أكثر أن الفيلم سيبقى بنسخته في الأرشيف محتفظا بنفس المشاهد المهينة لنا أولا كوننا نستخدم اختلاف الألوان وسيلة للضحك والسخرية.

بالطبع لا يدرك السيد سيناريست الفيلم أن من سيشاهد أعماله قد يعود ليكتب بعنوان عريض أن هناك عنصرية في مصر، وهو موضوع تطرقت له في مقال لي لم يتحمس أحد لنشره عام 1995، ولكنه أصبح موضة رائجة لبعض الوقت خاصة بعد المجزرة التي حدثت ضد اللاجئين السودانيين بميدان مصطفى محمود بالمهندسين مساء التاسع و العشرين من ديسمبر 2005، وكنت و لازلت اعتبرها جريمة لا تغتفر خاصة انه أتيح لي في مايو الماضي لقاء بعض جنود الامن المركزي ممن اشتركوا في فض اعتصام اللاجئين و سمعت منهم كيف تم تغذيتهم بكلمات و أفكار وأوامر بها منفردة - حتى دون نتائجها- من العنصرية ضد سود البشرة ما يستحق فتح تحقيق على أعلى مستوى.
أمثال السيناريست المتضاحك وكل من قرأ النص فيلميه الأو ل و الثاني ووافق عليهما و أجازهما (من ممثلين و مخرج ورقابة الخ) مسئولون ضمنيا عن السماح بهذه السقطة، فالحاصل أن الممثل يقرأ دوره ودور من يشاركه المشهد على الأقل، والمخرج يقرأ السيناريو كاملا أو هكذا يفترض قبل أن يتابع تنفيذه بمشاركة مساعدين ونحوه، والرقابة المصرية تقرأ النص و تشاهده بعد تمثيله أيضا قبل إجازته لمتع اضافة بهارات و توابل غير موجودة بالنص المجاز على الورق، هكذا أتصور، ومعنى هذا أن عبارات سخيفة مهينة للملونين قد مرت على عشرات دون اتخاذ موقف معلن.

وقد فاجأني أيضا أن فيلماً جديدا بعنوان "ما تيجي نرقص" للمخرجة إيناس الدغيدي، سيعرض قريباً ، وهو يحتوي على عبارات مشابهة للفيلمين السابقين" العيال و الطرب" استخدمت أيضا للدعاية للعمل، حيث تستظرف الممثلة هالة صدقي وتقول أنها كانت مخطوبة لكوفي عنان - وتنطقها قوفي- وفسخت الخطوبة لأن لونه غامق، أعتقد أن هالة عاشت لفترة في بلد اسمها الولايات المتحدة الأمريكية، و أتحداها إن كانت تستطيع هناك أن تنطق مثل هذه العبارة في حديث عام لانها تعلم ان مقاضاتها آنذاك ستصبح من أيسر مايمكن، واعتقد أن لدينا أيضا بنود قانونية تمنع أي فعل أو قول من شأنه الحط من الآخرين على خلفية لونهم أو دينهم أو نوعهم، باعتبار أن هذه المعطيات ليست مجال تفاضل حسب ما يقول الاعلان العالمي لحقوق الانسان في أول بنوده والذي وقعت عليه مصر وصار جزءً من بنية التشريع فيها، وبالمناسبة أدعو الجميع لمقاطعة مثل هذه الأفلام التي لا يستحي أصحابها من استخدام عنصريتهم في الدعاية.
خلاصة القول إني أشعر بازدراء حقيقي لكل من ساهم في إخراج هذه العبارات العنصرية على شاشة السينما أو سمح بعرضها -طالما كان مدركا انحطاط دلالتها- ولو على سبيل الدعاية كما لو كانت مثار فخر، وأطلب من المعنيين، اتخاذ اللازم قانوناً تجاه هذه السخافات باسم الضحك والإضحاك.
*كاتبة مصرية

S C