في مصر الإهمال والفساد يقتلان أيضا
أميرة الطحاوي
سبتمبر 2013 - التحرير
أصيب 17 مجندا من الجيش المصري في سقوط حافلة كانت تقلهم اليوم الأحد بوسط سيناء، وهو ما يذكر بحادث آخر في الخامس من أكتوبر العام الماضي عندما قتل 21 وأصيب 24 آخرين كلهم من المجندين في سيناء أيضا حيث سقطت بهم الحافلة المكتظة والتي قيل أن قائدها عسكري مجند، تصادف أنه يعرف القيادة، وعندما ذهبت عربات الإسعاف لنقل الجرحى براً رغم بعد المسافة، سقطت أحدها على الطريق الوعر. وقد التقيت المسعفين الذي نقلوا بدورهم للعلاج بالعريش ونقلت روايتهم وقتها لما حدث، في نفس اليوم قتل أمين شرطة في هجوم مسلح سرقة بنك بوسط العريش عاصمة شمال سيناء، بينما أصيب ضابط لأنه كان يرتدي سترة واقية من الرصاص بخلاف الشرطي الأقل منه رتبة. بمعنى أن فرصة القتيل في الحياة كانت ستتضاعف لو لم يجري محاباة زميله الأعلى منه رتبة. احتج أمناء الشرطة ولكن لم يسمع لهم أحد. وإجمالا لم نسمع أبدا بنتائج التحقيق في هذا الحادث أو ذاك.
الأمر لا يتعلق بمؤسسة عسكرية وأمنية فقط وفق الأمثلة السابقة، بل بكثير من منظومات الإدارة في مصر؛ فقبل أسبوع لقى 6 على الأقل مصرعهم في انهيار بناية سكنية في محافظة الإسكندرية، كان قد صدر قرار إداري بإزالتها قبل 12 عاما وبالطبع لم ينفذ. كم من الحرائق مثلا أتت على مخازن ومنازل في الشهر الماضي بمصر لأن تدريب أو عدد أو معدات المنوط بهم إطفاؤها غير كافٍ؟
قبل أيام اختفت أو بالأحرى عرف الإعلام باختفاء ملفات 4 قضايا من مصلحة الطب الشرعي، المصلحة التي يفترض أنها ركن أصيل في منظومة العدالة ورسالتها هامة في تدقيق الأدلة حول المتهمين الحقيقين وإنصاف الضحايا، و القضاياالمختفية كانت مرسلة من عامى 2012 و2013 ولم يتم ابلاغ النائب العام عن الواقعة، كما تردد عن اختفاء ختم المصلحة لوقت قصير ولم يبلغ عن تاريخ الواقعة، بما يعني أن المقصر الحقيقي لن يعاقب أبدا.
الفساد والإهمال والتراخي في الرقابة والمتابعة من بين ميراث حقبة مبارك، وبالأخص نهايتها، وهي مستمرة، ولم يعلن منذ 2011 عن علاج حاسم لهذا الترهل والإهمال. ولم يتم تشديد الرقابة ولا العقوبة. والحال هكذا
وعندما خرج مصريون بعد "ثورة يناير" بشعارات: لا تدفع رشوة. بلغ عن أي فساد، قوبلوا بالسخرية من البعض؛ من هؤلاء المتحذلقين المتعالين الذين لا يجيدون سوى تسخيف أقوال الآخرين مهما كان حسن النية باديا فيها. واعتبر البعض أن للثورة أهداف أعظم لها الاولوية عن هذا! لكن الحقيقة أننا وفي بلد فقير ومليء بالفساد والإهمال مثل مصر بحاجة لهذه الشعارات تطبيقا وقولا؛ فنحن لسنا شعبا من الأخيار ابتلانا الله بحاكم طاغية، وسنصلح الأمور بمجرد رحيله، نحن لدينا ميراث من الأخطاء بعضها بسبب الفقر ونزعات التطلع الطبقي ما يدفع موظفا مثلا لقبول شروة أو اشتراطها، هذه ليست مشكلة سببها مبارك أو طنطاوي او مرسي مباشرة، هي جزء من خلل في منظومتنا القيمية من ناحية، ولها أسباب اقتصادية يتحمل النظام مسؤولية ما فيها من ناحية أخرى، وعلاج هذا ليس اخلاقيا فقط بل بعدالة اجتماعية وبتطبيق حاسم للقانون. لقد تسرب الفساد والإهمال لمستويات عدة في الإدارة بمصر. وليس فقط القيادات. نحن بحاجة لحل مشاكل الإهمال والفساد لأن كلاهما يقتل بالمعنى الحرفي للكلمة، وليس فقط النزاعات السياسية ومصادمات الشوارع والمعارك المفتعلة أو التي يمكن تجنبها ويسقط فيها المئات والعشرات، ولم تكن تعرفها مصر بهذا الشكل من قبل.
الإهمال والفساد يقتل والسكوت عنهما هو مشاركة في الجريمة.