لاجئوالسودان بمصر.. حتى لا يسحق الضعفاء من جديد
أميرة الطحاوي
يسأل اللاجئون السودانيون في مصر عن واقعة اختفاء اثنين منهم يحملان بطاقات زرقاء تعني أنهما في وضع الحماية الدائمة من منظمة دولية اسمها الأمم المتحدة، ومصر وحوالي 180 دولة هم مجموع دول العالم الذي نعرفه أعضاء في هذه المنظمة، التي رأسها يوماً مصري، ورغم البطاقة الدولية فهذان اللاجئان يواجهان خطر الترحيل من مصر رغم إخلاء سبيلهما من قبل جهاز النيابة العامة، ولكن يبدو أن الأجهزة الأخرى هي وحدها التي تدير ملف اللاجئين السودانيين بمهارات ما أنزل الله بها من سلطان..
آخر ما عرف عن اللاجئين (صلاح موسى ونزار حماد) أنهما كانا في سجن القناطر بعد أن أمرت النيابة في مايو الماضي بإطلاق سراحهما، مع تسعة لاجئين آخرين على ذمة القضية 3699/2007 حيث اتهموا بالتجمهرأمام مقر المفوضية العليا لشئون اللاجئين، وأصل القصة أن هؤلاء وقفوا أمام المفوضية يطالبون بتعويضات عمن قتل على يد الأمن المصري في حادثة فض اعتصام سلمي للاجئين نهاية ديسمبر2005سماها الإعلام مذبحة حديقة مصطفى محمود حيث الحديقة التي اعتصموا بها وشربت تربتها دماء العشرات منهم، وفي فبراير 2007 قررت الحكومة المصرية --كما عادتها دوما- أن تحل المشكلة بشيء من الابتكار، حيث ألقت لأسرة كل قتيل5 آلاف دولار، يا بلاش، وطبعاً بعد أن أغلقت التحقيق في هذه المجزرة دون عقاب مسئول واحد، ولكن لسؤ الحظ لم يجد بعض أقارب القتلى أسماءهم في كشوف المحظوظين(وعدد من لم يحصلوا على تعويضات يتجاوز العشرين أسرة) فراجعوا مفوضية اللاجئين في أبريل الماضي فقبض عليهم، ووجهت لهم اتهامات طريفة من عينة التجمهر وتهديد منظمة دولية حيث كانوا يصطحبون نساء واطفالا وهذا وحده دليل على الشر الذي كانوا يبطنونه، ورغم الضرب المبرح الذي نالوه في قسم الدقي وبعد تجديد الحبس لهم غير مرة أفرج عن تسعة منهم وبقى (نزار وصلاح) .. لماذا؟ لأن عقيدا في جهاز يدعى أمن الدولة قرر أن يتم ترحيل هذين اللاجئين للسودان وهي الدولة التي هربوا منها خشية على أرواحهم، وعندما تعثر ذلك باعتبار أنه لا يجوز الإعادة القسرية للاجيء لدولته التي هرب منها، قرر المسئولون بالقاهرة ترحيل هذين اللاجئين إلى كينيا حيث يوجد مقر لمفوضية اللاجئن هناك ! ! . ألم نقل أن الحكومة المصرية وأجزتها الأمنية لديها الحل الفريد الجديد لكل شيء.
مطالب إليزا التي لبتها السيدة سوزان مبارك.
وحتى لا يذهب الفكر بعيدا ، فإليزا ليست المطربة اللبنانية المعروفة، بل هي اليزا أولمرت زوجة رئيس وزراء إسرائيل، والتي تدخلت لدى السيدة الأولى في مصر عندما احتجزت شرطة الحدود المصرية في يونيو الماضي طفلة لاجئة سودانية على الحدود مع اسرائيل فيما تمكن والداها بصعوبة من الفرار عبر الأسلاك الشائكة، تدخلت إليزا ووافقت سوزان وتم تسفير الطفلة لوالديها في اسرائيل، كان يمكن تفادي كل هذه القصة لو أن العقل هو الذي يحكم التعاطي مع مشاكل اللاجئين السودانيين بمصر ولم يجبرهم على الفرار للمجهول بكل ما في رحلة الهرب نفسها من مخاطر، وهذه القصة تجعلنا نسأل من الذي يقدم الدعاية المجانية لإسرائيل؟ ومن الذي يشوه وجه مصر حقا؟
أعلم جيدا أن ملف حقوق الإنسان الفلسطيني متخم بانتهاكات تقوم بها أجهزة عدة في اسرائيل، ولست أقارن موقف اسرائيل من لاجئي فلسطين بموقف مصر من اللاجئين السودانيين، كل ما هنالك أن استمرار موجات هروب اللاجئين السودانيين من مصر صوب اسرائيل والتي زادت بحدة منذ بداية صيف هذا العام لا يجب أن تحل وفقا لمبدأ أنهم "يستاهلوا الموت" لأنهم فكروا في اسرائيل وتركوا نعيم مصر، والعنف المفرط الذي يقوم به حرس الحدود المصري تجاه المتسللين لحد قتل 4 منهم الشهر الماضي، منهم 2 ضربا حتى الموت باستخدام الهراوات رغم استسلامهما التام ودخولهما في غيبوبة، وصورها جنود على الضفة الأخرى من الحدود وعرضتها قنةوات اسرائيلية وتناقلتها وكالات الأنباء في العالم كله،هذه الجريمة- أعني جريمة القتل وليس تصويره وعرضه- يجب التحقيق فيها ويجب أن تراجع الرئاسة المصرية ما قالته في 11 من هذا الشهر بأن لها الحق في استخدام القوة لمنع أي تسلل من أراضيها، فلا يوجد حق مطلق يعطي للمجند الضرب بهدف القتل وليس لمنع الهروب،ولا يوجد ما يجعلنا نقبل قتل الجرحى رافعي إشارات الاستسلام، والأمر يلخص ببساطة في أن "الجنود المصريين سيطلقون الرصاص عليك، حتى لو رفعت العلم الأبيض واستسلمت" والعبارة الأخيرة نقلها مراسل الشرق الأوسط في تل أبيب على لسان لاجيء سوداني.. رأى وحكى.
وقضية هذه الطفلة أو أهالي ضحايا مجزرة مصطفى محمود ليست بعيدة عن محاكمات أخرى - عسكرية- ضد عشرات اللاجئين حاولوا الهرب لاسرائيل فحكم على من قبض عليه منهم بالسجن لعام وغرامة 2000جنيها مصريا، ولو كانوا يملكون هذا المبلغ فالكل يعرف أنهم سيدفعونه مرة أخرى للمخاطرة بالهرب من مصر..لا كرها ولا توقعا لحياة الرخاء في اسرائيل ولكن لأن حياتهم بمصر غدت أصعب من قبل .. لأسباب عدة تطول تتحمل مفوضية اللاجئين وحكومة القاهرة نصيبا وافرا فيها، كما أن تهديد وزير الداخلية السوداني للعائدين منهم يجعل حكومة بلاده مسئولة أيضا عن معاناة هؤلاء.
ومع تقديرنا للحملة الحقوقية والصحافية المثارة الآن ضد همجية الشرطة المصرية التي أصبحت تقتل الأطفال وتحرق الشباب أحياء، ومع الانتباه لقلة عدد المنظمات المختصةبقضايا اللاجئين، فإن ترك هذه قضية اللاجئين دون متابعة إعلامية وضغط حقوقي سيجعل المزيد من الضعفاء يعانون وحدهم ويسحقون من جديد مثلما حدث في ميدان مصطفى محمود، مع الفارق أنه سيسحقون هذه المرة في صمت إن لم ينجح مجند اسرائيلي في تصوير قتلهم، الحل يتطلب الكثير لأجل تحسين ظروف اللاجئين وتنويرهم بخطورة خيار الفرار، وأن تستخدم القاهرة سلطاتها لتغير مفوضية اللاجئين تعاملها المتعسف ضد اللاجئين، مع حملة موازية تجبر حكومة القاهرة نفسها على وقف التصريح المجاني بالقتل الذي أعطته لحرس حدودها، واقناعها بأن سياستها في هذا الصدد تجلب عليها سمعة "موش ولابد" مثلما نالها مؤخرا اتهامات منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس التي ناشدت العالم كله أن يقنع وزير داخلية مصر بالبحث عن طريقة أخرى غير القتل لمنع هروب اللاجئين من بلاده.
وإذا كانت الحكومة المصرية قد رفضت غاضبة هذه الاتهامات، فلن يؤتي ذلك ثماره، فالحملة ستتوقف عندما يتوقف هذا التخبط في التعامل الأمني المتشدد مع غالب ما يمس اللاجئين السودانيين بمصر، وليس صعبا على القاهرة مراجعة سياستها على الأقل في مسألة "تشجيع وتحصين جريمة الضرب حتى القتل"، فقد حملت لنا أخبار ال19 من اغسطس الحالي أن مصر استقبلت 50 لاجئا سودانيا فروا لاسرائيل، بعد أيام من اعلان الخارجية المصريةأنها لن تقبل بعودتهم مكذبة بيان رئيس وزراء اسرائيل، أنه اتفق ورئيس مصر على ذلك في قمة شرم الشيخ في يونيو الماضي، أترون.. كل السياسات يمكن مراجعتها خاصة لو ثبت فشلها، وكل تصريح قابل للرجوع عنه. ببساطة: أليس الاعتراف بالحق فضيلة!
*عن نهضة مصر 20-8-07