الثلاثاء، 18 أبريل 2023

ومن حظنا أننا خبرنا الموت في أوقات عصيبة ليصبح هو أقلها وطأة


ومن حظنا أننا خبرنا الموت في أوقات عصيبة ليصبح هو أقلها وطأة، يقول أحدهم عمن سقطوا في التظاهرات التي تشهدها البلاد منذ أعوام.
في إيران تتجمع النساء على شواهد القبور يتحدثن للميت أو يحدقن صامتات،وقد ينطلقن فجأة (ما أن تبدأ واحدة) بالزغاريد، والحضور دوما باكين وفرحين معا، ينتحبون صمتا وعويلا في آن. في فيديو لمراسم دفن أحد شهداء منطقة كردية، اصطف الرجال بملابسهم التقليدية وبدأ الحادي النداء، طقس يعرفه الكرد جيدا. 
 

 



في وقائع قتل متظاهري مصر خلال موجات الثورة 2011 وما تلاها قابلت بعض أولياء الدم فوجدت كثيرا منهم مكلومين عاجزين وغير واثقين من عدالة محاكمة الضباط (التي انتهى جميعها بالبراءة فعلا خلال شهور) بما فيها من صُور يمرح بسلاحه تقتيلا وترويعا، بالأخص في السويس والأميرية.


عكف حساب  على موقع التغريدات المصغرة (تويتر) على نشر  (تلقائي) لتعريف من سطر أو اثنين (الاسم والسن ومكان الاستشهاد) بكل شهيد في موجة 2011 .
وجمعت صحافيتان (حنان وحنان) بجهد مشكور معلومات مشابهة في كتاب.


 كان رفع صور من سقطوا في انحاء ميدان التحرير (بما في ذلك صور جرافيك لهم عقب مقتلهم مباشرة) طقس متعارف عليه حتى حوصر الميدان، وحوصرت المظاهرات، وحوصرت أية فعاليات تدعو لتغيير أو تحتج على سائد من أوضاع، فلم نعد نسمع عنهم أو نراهم كثيرا. 


في السودان راق لي كثيرا ان البحث تواصل (قبل وبعد 2019 - اسقاط البشير) عن ذوي ثلاثة من أوائل من أعدموا ظلما على يد انقلاب البشير الترابي 1989، وان أسرة مجدي (أحد من أعدموا بتهم واهية، تجارة عملة) رفعت لافتة "لشيل الفاتحة في بيت البكا" الخاص بأسرته فيما لم يعرف طريق الآخرَين أو من تبقى منهم في البلاد، إذ غادرت أسرة الجنوبي البلاد قبل أن ينفصل الجنوب بسنين، وهاجرت زوجة المسيحي وبناتها لاستراليا.


ينظم الناشطون في السودان من وقت لآخر زيارات لمنازل الشهداء كما يشارك أحيانا أهل الفقيد في فعاليات وتظاهرات تشهدها البلاد.

في الأشهر الأخيرة تذخر مواقع التواصل بمواد مصورة عن زيارات قبور شهداء ثورة إيران (وقد سقط عشرات من قبل في تظاهرات عارمة أعوام 1999 وفي 2008-2009 كثيرهم من الشباب) تعتقل السلطات كلما أمكن لها أهل الشباب المغدورين وتقتاد حتى الصغار منهم للاحتجاز من وسط المقابر. في حالة واحدة اعتقل ثلاثة أخوة ذكور لشهيد وبقت الأخت تنشر ما يحدث واحدا تو الآخر.  يزين الأهالي المكان بورود وبلالين وأطعمة وموسيقى وتي شيرتات وكأنهم ينتظرون قيام صغارهم من النوم. 

في ظاهرة أخرى يرتدي الأب أو الأم قميص الشهيد، ويلتقط صورة مع أخرى سابقة للابن أو الابنة المغدوة بنفس الملابس. 



 قد يحدث أن تتزاور الأسر وتتذكر وتواصل النضال لما مات لأجله أبناؤها ولأخذ حقهم من قتلتهم.  رفقة نضالية. 

 
 
يرتدون أحيانا ما يميز قوميتهم أو انتماؤهم الديني والمذهبي أيضا، البعض مهضوم حقه لاعتبارات عدة وليس فقط للتظاهر لحق المرأة في الخروج دون غطاء للشعر.


قرأت مؤخرا ان جزار سوريا يزور احدى مشيخات النفط، فجأة تذكرت حملة طل الملوحي لاطلاق سراح المدونة الشابة التي بدأتها وصحب من مصر وسوريا، في 2010، ثم ما آلت له الأوضاع في العام التالي عندما بدأت تظاهرات 2011 ولم يتردد حثالة البعث عن قتل حتى المشيعين لجثامين قتلى المظاهرات بالأخص في حمص وريف الشام ودرعا. لم يتمكن السوريون من تسجيل حتى أسماء من سقطوا بدقة لأن آلة القتل كانت أسرع. وبالتالي كانت طقوس الاحتفاء أو وصل ذكرى الموتى غائبة وصعة عمليا.

في منطقتنا من هذا العالم يموت الشباب من أجل الحرية، ولأن الموت جماعي ومتكرر وسريع يصبح أحيانا أقل وطأة إلى أن تهدأ النفس من جزع، وتستوعب الفقد، وتبكي كيفما يليق.




S C