الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

سعيدة بمقال يوسف زيدان: رسالةُ حُبٍّ واعتذار للروائي الجزائري واسيني الأعرج


أنا سعيدة بمقال يوسف زيدان الأخير
نعم فرحانة ومزقططة جدا، فما نشره الدكتور يوسف زيدان اليوم بالمصري اليوم "رسالةُ حُبٍّ واعتذار للروائي الجزائري واسيني الأعرج" وتراجعه عن بعض ما قاله في مقاله السابق "ذكريات جزائرية" هو تقليد محترم، وحدهم الكبار يراجعون أنفسهم وفيصلهم الضمير الذاتي والناصحون لهم بإخلاص، مررت على المقال الجديد سريعا وحبيت اوصف شعوري! ا، آه  والله، بس برضه فرحانة من أول العنوان لحد بعض تفاصيله ومنها انه كان غاضب وان المقال لا يشبهه وكأن شخصا آخر هو من كتبه، وهذا ما قلته وآخرون سابقا ، على كل هذا رابط المقال،  أحببت مشاركتكم إياه.

 

د. يوسف زيدان يكتب: بين سُباعيتين: رسالةُ حُبٍّ واعتذار للروائى الجزائرى واسينى الأعرج

٣٠/ ١٢/ ٢٠٠٩
عندى اعتذارٌ حارٌّ، واجب التقديم، للمبدع الجزائرى الكبير.. الصديق: واسينى الأعرج. فقد سببتُ له الألم، ولكثيرين غيره، بمقالتى المنشورة هنا قبل شهر تحت عنوان: ذكريات جزائرية.
■ ■ ■
العجيبُ أيها الصديق، واسينى، أن هذه المقالة (الاستثناء) تختلف عن كل ما كتبته من قبل، وكُلِّ ما سأكتبه من بعد.. فمنذ بدأتُ (الكتابة) قبل سنوات بعيدة، اخترت لقلمى مسلكاً لا يرتضى لنفسه الاصطخاب المناسباتى، ولا يخوض أبداً مع الخائضين. ومع أننى كتبتُ كثيراً، ونشرتُ، حتى كادت صفحاتى المنشورة كتباً وبحوثاً ومقالاتٍ، تبلغ الثلاثين ألف صفحة أو أقل قليلاً، إلا أنك لن تجد لى صفحةً واحدةً سال عليها المداد استجابةً لصخبٍ يجرى، أو خوضاً فى واقعةٍ تقعقع عندها الكلمات وتشتبك بسببها الأسنةُ والألسنةُ. فقد اعتقدتُ دوماً، ومازلت أعتقد، أن (الكتابة) أمرٌ يرتبط بالمطلق، ويحلِّق بالرؤى وبالكلمات فوق حدود اللحظة الراهنة، فيزيدنا بها استبصاراً.
غير أن حالى، أيها الصديق، تبدَّل هذه المرة المريرة، حين غلبنى حالُ الغضب ودهمنى حكمُ الوقت. فقد هالنى ما جرى بسبب مباراة كرة القدم، على قلة اهتمامى بهذه الكرة، وآلمنى ما انتهى إليه المآل من خلطٍ وتخليطٍ وإهاناتٍ متبادلة، فثارت غَيرْتى على مصر، وعزَّ علىَّ أن تصير هدفاً لألسنة الصغار.
■ ■ ■
والعجيبُ أيها الصديق، واسينى، أن مقالتى ابتدأتْ بنعى المعالجة العامة لهذه الأمور ذات الطابع الديماجوجى (الغوغائى) فأردتُ التذكير بأن التهاون فى محاسبة اللاعب الجزائرى القديم (الأخضر بللومى) أدَّى إلى التهوين من صورة مصر فى الأذهان.. كما أردتُ التنبيه إلى أن تصدُّر الجهلةِ لوسائل الإعلام، تصدُرُ عنه ويلات تلحق بالجميع. وقد ذكرتُ ذلك صراحةً فى ابتداء مقالتى، وأشرت إليه بوضوحٍ شديد، غير أننى أتبعته بسرد وقائع شخصية انبجست عيونُ ذكراها فى باطنى، ففاضت بماءٍ فوارٍ حارقٍ كان الأليق به أن يترك سُدى، حتى يتفرَّق فى صحرائى بَدَدا.. غير أننى سكبتُ ما اندفق فوق السطور.
ولكن كثيرين فرحوا بما لا يجب الفرح به! فأسقطوا ما ابتدأتُ به المقال، وغيَّبوا خطابه العام والفقرات الدالة عليه. وأبرزوا فقط ما انفلتَ بآخر مقالتى من ذكرياتٍ تُزرى بالجزائر. وأعادوا نشر ما فرحوا به، منفصلاً، انتهازاً لفرصةٍ سنحتْ على غفلةٍ منى.. والغضب كما تعلم أيها الصديق، تغفل معه القلوبُ وتغيب العقولُ. وكنتُ ساعة كتبتُ، غاضباً. وقد ذكرتُ ذلك فى الأسبوع التالى، مباشرةً.
فحين اتصل بى الأستاذ (ثروت الخرباوى) فور نشر مقالتى، وصحَّح لى الحال والمآل بادرتُ إلى الإشارة لذلك، فى أول مقال يُنشر بعد (ذكريات جزائرية) حيث قلتُ فيه بوضوح ما مفاده أننى كتبتُ ما كتبته غاضباً، وأن علينا أن نتعامل مع هذا الموضوع بما هو لائقٌ بنا، بعيداً عن الغوغائية.. ثم استكملتُ من بعد ذلك الكلام عن «الرؤية الصوفية للعالم» حسبما جاء فى (السباعية) السابقة.
وحين كتب الأستاذ فهمى هويدى أن الحزن اختلط عنده بالدهشة، حين قرأ مقالتى، قلت لمن حولى إن الحق معه، وإنه سيقرأ فى المقال التالى ما يخفِّف من حزنه ودهشته، ولعله فعل، ثم انشغلتُ عن أمر (الذكريات الجزائرية) أو تشاغلت عنه، بما هو أجدى من تغليب الهوى، وتقليب المواجع، وتأليب النفوس.
غير أن «الفرحين» الذين كانوا يشتهون هذه الكبوة، راحوا يؤجِّجون نيران النفوس، بتكرار نشر الفقرات المجتزأة من (ذكريات جزائرية) ويهوِّلون من أمرها، ابتغاءَ غايةٍ «فى نفس يعقوب».. وبالغوا فى إعادة النشر! فصارت هذه الفقرات المجتزأة، المزرية، تملأ صفحات الإنترنت، والجرائد التى تنقل عن الإنترنت، والنفوس التى تشتهى النوائب.
وحسبما كان متوقعاً، فقد أهاجت فقراتى المجتزأة بواطن الكثيرين، من المخلصين والناصحين والعابثين والمغرضين.. وقد لامنى المخلصون فتقبَّلت لومهم، وأهدى الناصحون فى رسائلهم لى نصائح بالابتعاد عن مثل تلك الأمور التى لا يظهر منها على السطح العام، إلا ما يُراد سياسياً إظهاره! فلما تدبَّرت الكلام، وافقت الناصحين فيما نصحوا به. وبقى من بعد ذلك عبث العابثين، وتعريض المغرضين،
فهاج غضبُ الجزائريين وتوالت رسائلهم الشنيعة التى بلغت ذروتها مع رسالة الجزائرى الغاضب الذى راح على صفحات الإنترنت يهددنى بعباراتٍ من مثل: «نحن أحفاد الأمير عبد القادر، وقد أعددنا العدة للوثوب عليك، وسوف ترى...إلخ» ومع أن المرسل لم ينجح فى إثارة خوفى، إلا أنه أثار انتباهى إلى أن الغضب يولِّد الغضب، والعنف يولِّد العنف، والتعصب يستدعى التعصب.. وهو ما كنتُ دوماً أنبِّه إلى خطورته.
وبعد أيام هدأ المهدِّدون وانشغل العوامُّ عما عَامَ فوق السطح.. لكن الخواصَّ لم يهدأوا! فكتب الأخُ ياسين تملالى مقالةً متينةً فى الرد على ذكرياتى الجزائرية، وذكرتْ مُنَى البرنس ذكريات جزائرية مضادة لما جاء فى مقالتى.. وكتب غيرهما فى مناقضة ما ورد بمقالتى، وفى نصرته! فظننتُ أن الأمر قد انتهى عند هذا الحدِّ، ومَرَّ بمرارته إلى غير رجعة.
وفجأة، تم الربط بين مقالتى وروايتى عزازيل! ففى مقالة طريفة للصديق حسن خضر الذى يعيش فى أوروبا، ذكر ما جرى معى فى العاصمة الألمانية برلين، حيث صخب علىَّ هناك بعض الأقباط، فلم تثرنى ثورتهم! وقد تولَّى هو الرَّدَّ على الزاعقين بالرواية، ولفت نظره أننى كنت هادئاً حيالهم..
ثم انتقل فى مقاله الذى جاء بعنوان (مَنْ الذى أملى عليه) إلى سؤال تهكُّمى بالغ الطرافة، مفاده الآتى: إذا كانت البنية الروائية لعزازيل قد جاءت على هيئة نصٍّ أدبى أملاه عزازيل على الراهب هيبا، فمن الذى قد أملى مقالة «ذكريات جزائرية» على يوسف زيدان؟.. وجوابى: أملاها الغضب المؤقت الذى ذكرته، وعدم التثبُّت الذى جرَّنى إليه الحماسُ العابر والغيرةُ الطاغية.
وكانت هناك ردودٌ كثيرة، غير ذلك، امتلأتْ بها مواقع الإنترنت، حتى بدا أن مقالتى هذه هى الوحيدة فى موضوعها، مع أن مئات من المقالات نُشرت فى هذا الموضوع. فقلتُ فى نفسى: لا بأس، فقد ينشغل الناسُ حيناً بأمرٍ، وتحجبهم عن غيره الأهواء والظنون.. كان ذلك ظنِّى .
■ ■ ■
والعجيب أيها الصديق، واسينى، أن ظنى لم يكن فى محل صحيح.. وهو ما ظهر بوضوح، وانكشف، خلال الأسبوعين الماضيين. فقد كتب الأخ خالد الحروب مقالة بجريدة الحياة التى تصدر فى لندن، بدأها بالثناء على رواية عزازيل (التى كان قد خصَّها قبل شهور بمقالةٍ بديعة) وبعدما عبَّر عن إعجابه الشديد بالرواية، عبَّر عن تعجُّبه من المقالة الجزائرية، ونعى علىَّ تعصُّبى ضد الجزائر، وتساءل فى نهاية المقالة إن كان يجوز له المطالبة بسحب جائزة (البوكر) عقاباً لى!
وبالطبع، فالصديق خالد الحروب يعلم أن (البوكر) ليس من الوارد سحبها، لكنه أراد فيما أظن أن يختم مقالته بعبارةٍ دراميةٍ يكون لها عند القارئ وَقْعٌ شديد.. غير أن عبارته وقعت موقعاً عند أولئك «المؤلفة قلوبهم» الذين يعلمهم الله، ويعلم بعض الناس حقيقة أمرهم.. وما أمرهم بخافٍ عنك أيها الصديق، واسينى، فقد أجهدتهم جائزة البوكر وكشفت ما كانوا يحبون أن يخفوه من حال الجوائز الأدبية..
وكأن كلمة (سحب البوكر) كانت المفتاح السحرى الذى سقط بين أصابع أحفاد سالييرى! فخلال يومين أو ثلاثة، أُعيد نشر المقالة التى كتبها خالد الحروب بما لا حصر له من أماكن. فكانت بمثابة «حصان طروادة» الذى يقتحمون به أسوار هذه الجائزة الرضية التى غيَّرت خريطة الأدب العربى فى سنوات قليلة، وأعادت الثقة بين القارئ العربى والجوائز الأدبية، نظراً لجدية عملية التحكيم ووقار الإجراءات التى تنتهى باختيار الفائز.
ومعروف أن الجدية والوقار قد لا يناسبان الكثيرين من محترفى السطو على الجوائز بالاحتيال، حتى فقدت مهابتها عديدٌ من الجوائز الأدبية العربية التى لم يتردَّد صدى الحصول عليها فى نفوس القرَّاء.. فلما جاءت (البوكر) بما جاءت به، صارت لطائفة المنتفعين الدوليين مآرب خابت، ومطالب راجت..
وها هو اليوم «طالب الرفاعى» المعروف عربياً بنـزاهته، تنصبُّ عليه الاتهاماتُ، لاستقامته فى إعلان القائمة القصيرة للفائز بجائزة العام المقبل، مثلما انصبَّتْ على المحكِّمين فى الدورة السابقة لعناتُ اللاعنين الآملين فى أن يكونوا هم الحاكمين والمحكِّمين والفائزين.
ولما بالغ المبالغون فى التهليل ضد (البوكر) مستخدمين كل ما أتيح لهم من الأسلحة، ومن بينها ما قاله خالد الحروب فى ختام مقالته المشار إليها.. عرفتُ أن الأمر لا يعدو كونه نفخاً فى الرماد، وخوضاً فى عماية، وباطلاً أُريد به باطل.. فلم أعد أُعيد النظر فيما يتكرر نشره، لكننى بطبيعة الحال لم أكن سعيداً بهذه الطرق الخلفية التى يسلكون.
■ ■ ■
وبعيداً عن تلك المسألة الآلمة المؤلمة، فقد خيَّرتُ القراءَ فى ختام مقالتى السابقة، التى اختتمتُ بها سباعية (الرؤية الصوفية للعالم) بين موضوعين للسباعية الجديدة.. الأول: تقديم سبع من بدائع الروائع الأدبية الصوفية، المجهولة، التى أسميها (فصوص النصوص) لأنها تمثِّل بين غيرها من النصوص الصوفية ما يمثله الفصُّ للخاتم.. سعياً لاستعادة الوعى بهذه الآيات الأدبية الفريدة التى انطمرت فى وعينا المعاصر، واحتجبتْ عنا باحتباسها فى النسخ الخطية المتوارية بين رفوف الخزانات العتيقة، أو بين صفحات الطبعات المحدودة والنشرات غير المشهورات.
والموضوع الآخر تقديم قراءة تستعرض المجلدات الستة الأولى من التلمود، التى صدرت مؤخراً كأول ترجمة عربية لهذا النص. والتلمود فى الديانة اليهودية النص (الثانى) من حيث الأهمية بعد التوراة، إذ اجتمعت فيه التعاليمُ الشفوية التى اشتهرت باسمها العبرى (المشنا) وكان العرب أيام ظهور الإسلام يسمونها: المثناة.
وقد أبان القرَّاء عن رأيهم فى الموضوعين، فتنوعت الاختيارات فيما بينهما، وكان لكل منهما نصيبٌ من ترجيح القُرَّاء.. ولسوف أخصِّص للتلمود المقالات السبع التالية على مقالات النصوص الصوفية التى سنراها بإذن الله ابتداءً من الأسبوع القادم. وقد رأيتُ البدء بالروائع الصوفية الأدبية، المجهولة، لأنها بالإضافة إلى أهميتها، تناسب الحالة الحالية التى أعانيها وأعاينها، أثناء غَرَقى فى وضع (الرتوش) الأخيرة لروايتى القادمة النبطى.

S C