Pages

الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

سيجار وكاس.. أو عن نظامنا الساقط و صور ابنة البرادعي

سيجار وكاس" عنوان وضعه صحافي حنجوري في مطبوعة "مصر الفتاة" في أول التسعينات لصورةٍ ضمت محامياً كان يدافع وقتها عن متهم بالجاسوسية، وليهاجم موقفه لم يرهق لصحافي نفسه في عمل جاد بل اختار صورةً -وصلته بطريقة ما- للمحامي في حفل خاص وعلى طاولته ممثلة شهيرة وأحد الضيوف يدخن السيجار وأمامهم كأس شراب!.
مدرسة صحفية رديئة، ولحسن الحظ ليست ضاربة الجذور هنا: إذ كانت الصحف السياسية في العهد الملكي تترفع عن استخدام القصص الشخصية في مواجهة الخصوم بما في ذلك الحكوميين. في فترة النحاس باشا وفي عهد الملك فؤاد سقطت بعض الجرائد في هذه الزلة لتخرج باخبار عن زينب الوكيل والملكة نازلي وغيرهما. لكن لم يستمر ذلك طويلا. قبيل ثورة ١٩٥٢ كانت الحياة الخاصة للملك فاروق مادة لبعض الصحف الحزبية مع استمرار اهتمام بعضها ايضا ببند المصروفات الخاصة في الميزانية وبحدود انفاق الاسرة المالكة والمحسوبين عليها؛ أي بالشق الذي يهم حقا العامة من أمور خاصة. الآن : مع تصاعد المد الديني في البلاد وغلبة الطابع المحافظ اجتماعيا ومع انحدار مستوى اخلاقيات المهنة وطوفان المعلومات والشائعات المتوافرة دون تدقيق: اصطف البعض في فصول هذه المدرسة؛ كلّ حسب مهاراته في خلط العام بالخاص وسقف قدرته على تسقيط خصومه امام الجماهير. الجماهير التي اصبحت بفضل النظام الحالي مولعة بالامور الثانوية والتفاهات ، ومنصرفة بها عن الجوهر.
(٢)
عندما عاد د. محمد البرادعي الى مصر في فبراير شباط الماضي أخذت الصحف الحكومية "تلسن" بدرجات مختلفة ضده بما يخدم الحزب الحاكم بالطبع، وفي رأيي أن متابعة هذه السخافات وتصاعدها مادة تستحق الرصد (منهج تحليل الاحداث عبر المنشور من اخبار) بالاخص تطورها وتورط بعض المحسوبين على المعارضة فيها. لم تتطرق الصحف الحكومية لشأن يخص عائلة البرادعي باستثناء جريدة الجمهورية الصفراء؛ فعندما رفض البرادعي الذي كان في رحلة لأوربا الادلاء بتصريح حول موعد عودته، قالت الجريدة انه "سمع كلام مراته" التي اشارت له بالا يحدد توقيتا بعينه حتي لا يرهق مؤيديه بانتظاره في المطار.
أمس الأول وعلى شبكة الفايس بوك للتواصل الاجتماعي ظهرت احدى المستخدمات (وربما يكون رجلا) لتتحفنا بأنها كانت صديقة لابنة البرادعي، ولديها اسرار عنها، وانها اندهشت ان البرادعي يريد ترشيح نفسه لرئاسة البلاد (استغرق الامر ٦ اشهر لتعرف بهذه المعلومة او تندهش منها!) وانها صعقت لانه - اي البرادعي- زار بعض المساجد (ونسيت انه زار الكاتدرائية وكنائس في مصر القديمة ايضا قبل ٤ اشهر ).. لتضع بكل وقاحة صورا شخصية للسيدة ليلي البرادعي وتقول انها -وياللهول- ليبرالية ! وهو ما يجعل البرادعي غير جدير بحكم البلاد .
صفحة الاخت المحترمة جدا (حيث يحوي حسابها الشخصي على صور جاذبة لمعشر الذكور بالأساس) لحسن الحظ لم تنل سوي الاحتقار من غالب المترددين عليها. احتقار لتطفلها علي الاخرين. احتقار لاستخدامها صورا مسروقة . احتقار لتأويل بعض الصور بما يخدم الهجوم "الحكومي" على البرادعي. احتقار للبحث في امور تخص الابنة لتسقيط رب الاسرة وبدعوى انه لا يصلح رئيسا للبلاد.
ورغم اننا في رمضان حيث يجاهد كثير من المتدينين في مصر ان يظهروا للجميع كم هم متدينون، فإن اطرف التعليقات السلبية ضد هذه الحيلة الرخيصة جاءت من اشخاص غير علمانيين، وهو ما طمأنني "قليلا"
وبالمناسبة فإن زوجة الرئيس المصري الحالي كانت تمارس رياضة السباحة (وهي بذلك المنطق الاعوج لصاحبة الصفحة البلهاء تجعل من مبارك غير جدير بالحكم لان السباحة تسقط عن المواطن وعائلته الجنسية المصرية)
(٣)
تجاهل هذه الوسائل الرخيصة في تسقيط الاخرين - وطالما كانت بدايتها متعثرة كما في هذا المثال - امر جيد في غالب الاحوال. لا تسلطوا الضؤ عليها ولو بحسن نية اكثر من اللازم، لكن الخطر ان تنتشر هذه المدرسة الوضيعة في معارك حياتنا السياسية المصرية. الصحف والبرامج الشعبوية والكتاب الحنجوريون - حكومةً ومعارضةً - هم المرشحون اكثر من غيرهم لهذا الدور. ولا يقف وراء تلك المدرسة النظام وحده ، رغم ان له (ولعملائه من عينة الحنجوري صاحب المانشيت الفلتة اعلاه :سيجار كاس، وهو الآن سياسي شهير ) الريادة في اعادة هذه المدرسة الوضيعة للحياة،.. فهناك قطعا اخرون لن يمانعوا في استغلال المناخ الاجتماعي المحافظ بل والمغالي في المحافظة الخانقة ليس لاصحابها – فهذا شأنهم- بل للاخرين، انهم يخاطبون القلوب ويتحدثون عن السماء عندما تعييهم الحيلة في اقناع العقول او تتوانى عزيمتهم عن مواصلة الجهد علي الارض. مناخ كهذا يمكن ان يفرز ما هو اسوأ.
دورنا ان نوقف هذه الحيل بالطرق المناسبة، ونحجّمها، أما مهمتنا الابعد - والاصعب بل والاهم - فهي ان نغير من هذا المناخ ليعود متقبلا للاخر، ملتزما باحترام خصوصيتهم، ومقدرا لحقهم في تحديد خياراتهم وقناعاتهم وسبل حياتهم الشخصية، ورافضا لخط العام بالخاص.. وتلك المهمة التي تحتاج لعمل متصل لن تنجز بالطبع في ليلة وضحاها