Pages

الأحد، 7 يناير 2007

صدام شهيداً..في تعريف القتيل والشهيد والضحية!

في تعريف القتيل والشهيد والضحية!
أميرة الطحاوي-الشرق الأوسط12أغسطس2003

هالنا ما تناقلته بعض الأقلام من وصف لعدي وقصي صدام حسين بالشهيدين، في حين انبرى البعض بتقديم الأدلة على ذلك بالقول انهما «طالما قتلا بعد تبادل لإطلاق النار مع القوات الأمريكية فهذا وحده كاف لمسح تاريخهما» الأسود ـ إن وجد، على حد تحفظ البعض منهم على هذه الحقيقة، بل وتحويلهما إلى شهيدين. كما أن بعض وعاظ السلاطين دخلوا الساحة أيضا ليصبح لفظ الشهادة مثل صكوك الغفران التي كانت يحتكرها الكهنة في زمن مضى ولن يعود من تاريخ الباتريركية الكنسية المعيب. والمدهش أن بعض الأقلام التي تدعي اليسار اقتبست مصطلح الشهيد ـ بمفهومه الديني تحديدا ـ لتجميل تهويماتهم العقيمة. عجيب أن يلتف الجميع حول هدف واحد وهو تحويل القتلة إلى رموز وشهداء بينما يتباعدون عن نصرة الضحايا ويتقاعسون عن قول كلمة حق استشهد لأجلها الكثيرون.
يجب أن نتفهم أولاً بأنه ليس كل من مات في عهد صدام بالطلقة أو الحبل فهو شهيد، فاختلاف البعض مع نظام صدام حسين لم يكن بالضرورة اختلافا مبدئيا، بل إن السنوات الأولى من حكم البعث قد صاحبها تخلص تدريجي من أشخاص لا يقلون جرماً عن صدام نفسه، كل ما هنالك أن الوقت لم يتسع لهم ليواصلوا إجرامهم. وبنفس الدرجة وفي عقد التسعينات وبينما تحيط بالنظام الديكتاتوري عوامل عدة تشي باقترابه من النهاية، هرع البعض من أعوانه إلى الانقلاب عليه، ولكن اليد الضاربة له أتت على الكثيرين منهم ولقوا مصيرهم الحتمي، فهل هؤلاء أيضا شهداء؟ وهل البعثيين الذين قتلهم صدام لهذا السبب أو ذاك يعدون شهداء؟
وهل يعتبر ناظم كزار مثلا أو القيادة القطرية التي صفاها صدام عشية استلامه السلطة شهداء؟ تماما مثلما لا يمكن أن نصدق أن مشعان ووفيق ونزار وغيرهم أصبحوا حقا معارضة وطنية.

نتذكر كلنا عندما وقعت عدة محاولات لاغتيال عدي، وأشهرها تلك التي كادت أن تودي به في العام 1996، كانت الأرواح تتوق لنجاح مثل هذه العمليات، هل يتذكر أحدنا بنفس الدرجة من هم الفاعلون الحقيقيون لهذه العملية؟ ألم يكونوا مجموعة من الشباب ممن تسرب الوطن من بين أيديهم عنوةً ليلقى به تحت أقدام الابنين، ألم يكونوا عراقيين يأخذون بثأر ضحايا النظام؟ إن مئات وألوف الأشخاص قد ألقي القبض عليهم في أعقاب تلك العملية وكثيرون منهم قتلوا، هل هؤلاء مجرد قتلى بينما عدي وقصي شهداء لان محاولة قتلهم نجحت هذه المرة على يد آخرين غير عراقيين؟ هل يستكين الضحايا من العراقيين ممن ذهبت حياتهم عقب فشل محاولة اغتيال عدي لهذا الوصف؟

في دولة عربية وعندما سقطت طائرة تحمل معظم قادة الجيش، اضطرت الحكومة هناك لقطع الكهرباء عن بعض المناطق السكنية لأن قاطنيها أقاموا فرحاً ووزعوا «الشربات»; فقد كان من بين قتلى الطائرة أحد عتاة القهر في هذا البلد، إذن المواطنون المتضررون من النظام هم وحدهم الفيصل في من يوصف بالقتيل ومن لا يستحق الترحم عليه حتى لو مات أبشع ميتة، هل يترحم أحد على فرعون؟
البعض يعترض على نشر صور القتيلين عدي وقصي، حسنا كيف يمكن تصور عدم نشرهما؟ كم من الأقلام كانت ستخرج لتكذب موتهما حتى لو أثبتت التحاليل والقرائن أن الجثتين بالفعل لنفس الشخصين؟ لقد خرجت بالفعل أقلام تكذب الخبر وحتى بعد أن نشرت الصور انتظر هؤلاء خطبة صدام الأخيرة التي ينعى فيها ولديه ليصدقوا حقاً أنهما قتلا، هل ينبغي أن نذكر بمشهد رئيس المخابرات العراقية طاهر جليل حبوش وهو يعرض صوراً لجثة الفلسطيني «أبو نضال»، وكم التعليقات التي صدرت قبل عرض الصور وبعدها، لماذا لم يتحدث أحد وقتها عن حرمة عرض جثة قتيل؟ لا جدال في أن الحرب أمر قاسٍ ومشاهدة أهوالها أبسط ما فيها من قسوة، المواطن العربي القابع في منزله الهادئ في دول لم تصل ديكتاتوريتها لعشر ما كان عليه العراق من المفترض أن يستوعب أن ما حدث بالعراق كان أمرا خطيرا لم يتوقعه حتى الكثيرون من المعارضين لنظام صدام، الكل تصور أن تستمر الحرب شهورا وأن يتحول العراق مرة أخرى لبحر من دماء، القليلون روجوا لسقوط النظام وأعوانه نهائياً مع سقوط أول صاروخ وهو أيضا لم يحدث، حالة الاضطراب التي يعيشها العراق بعد التاسع من أبريل كانت تحتاج لمثل هذا الحدث، وعرض جثتي ولدي صدام كان محل ترحيب كثير من العراقيين، لأسباب متفاوتة، منها التيقن ومنها التدبر في مآل الطغاة، وبينها أسباب أخرى كالتشفي، العراقيون وحدهم يحكمون في هذا الأمر لأنهم أول المخاطبين بهذه المشاهد، أما المواطنون العرب الجالسون أمام التلفاز فمن حقهم أن يعترضوا على هذه المشاهد ـ التي اعترف أنها رهيبة ـ ومن حقهم أيضا أن يحاسبوا وسائل إعلامهم على تحري نقل هذه الصور وبالكثافة الشديدة التي بدت غير مبررة، كما أن من حقهم في النهاية أن يديروا القناة لأخرى، أو يعرضوا بوجوههم عنها طالما إعلامهم لا يحترم مشاعرهم.
إحدى المتحدثات العراقيات وفي أعقاب إلقاء القبض على واحدة من رموز النظام ـ هدى صالح مهدي عماش (عضو قيادة القطر لحزب البعث، مسؤولة مكتب الطلبة والشباب المركزي، أمينة سر المكتب المهني ورئيسة الجمعية العراقية لعلوم المختبرات الطبية)، كانت المتحدثة تبكي وتقول يجب أن ندافع عنها لأنها امرأة، وانها ضحية لأن النظام الأمريكي ـ اليميني ـ لا يريد امرأة من دول الجنوب في موقع متقدم علميا!! هذه للأسف عقلية البعض حتى من العراقيين المصنفين كمعارضة.

في الحقيقة إن هذا الخلط والتعاطف مع المجرم، لمجرد أنه سقط، غير مبرر لدى أشخاص تفترض فيهم درجة من الوعي والالتزام تجاه الوطن والضحايا الذين سقطوا أمام آلة الإرهاب الحكومي، لقد قام أمثال صدام وعماش بجرائمهم متجردين من كل انتماء إنساني فلماذا نطبق عليهم نحن معايير حاربوها هم بالأساس، لا ندعو لسحل بالشوارع وفرهود لكن التزام في القول والفعل تجاه الوطن.
البعض يحاجج بأنه «لقد اختار أبناء ذلك القائد العربي الشجاع الطريقة التي يموتون بها»، في الواقع هم أيضا كانوا كراما مع ضحاياهم حيث خيروهم أحيانا بين ميتة بشعة وأخرى أبشع، لكن للأمانة لم يُطبق ذلك الكرم وتلك الحرية مع الجميع!!! فقد ابتكر النظام من أدوات القتل والترهيب ما لم ينفع معه الاختيار، أو يصعبه لاعتبارات عملية فكيف كان سيختار آل حلبجة ميتتهم؟ وكيف سيختار من أجبروا على المشاركة في حروب الخليج الثلاث نهايتهم؟ ويبدو أن هؤلاء متأثرون باختيار النهايات الحزينة لغالب هلسا، لكن نهايات تليق بمجرمين ولا تجلب لأحد الحزن ولا التعاطف إلا من قبل من هم على شاكلتهم.

وهناك من قال «لقد وفى صدام بوعده وقدم ولديه فداء»، إنها لكارثة أن يخلط هؤلاء الدين بكل شيء، ويصبح صدام أفضل من النبي ابراهيم الذي لم يتمكن أن يقدم أحد ولديه فداءً، صدام قد يضحي بولديه فعلا لو ضمن السلطة، لقد تنازل الكثير من الساسة التسلطيين عن الحكم في بلدانهم رغبة في الحفاظ على حياة شعوبهم، تايلور ودي كليرك وفاروق ونجيب والقاضي محمد، إنهم أشخاص قد نتفق معهم أو نختلف لكنهم تنازلوا عن عروشهم (بل وأحيانا حياتهم) حقنا للدماء، لكن يبدو أن صدام كان حريصا على القضاء على شعبه بكل وسيلة ممكنة سواء وهو على قمة السلطة أو خارجها، وهو أمر لا يحتاج لدليل من عينة تصريحات ولده المقبور عدي عندما هدد أن يسلموا العراق دمارا لمن يليهم في الحكم، إنها النزعة السادية التي تحكمهم.

البعض الآخر يرى في طريقة مقتلهما سببا كافيا لاعتبارهما شهداء. حسنا، لا ندري هل كانوا أكثر رأفة مع ضحاياهم، القتل في معركة عادلة أرحم أم القتل على يد حيوان كاسر مثلاً؟ نذكر فقط أنه في 6 آذار 1963، استشهد سلام عادل في قصر النهاية ببغداد وقد «شوّه جسده ولم يعد من السهل التعرف عليه، فقد فقئت عيناه وكانت الدماء تنزف منهما ومن أذنيه ويتدلى اللحم من يديه المقطوعتين وكُسرت عظامه وقطعت بآلة جارحة عضلات ساقيه وأصابع يديه «هل يريد فقهاء السلاطين المزيد؟ لدي صورة لطفل من ضحايا حلبجة، ربما في الثالثة من عمره (أو هكذا بدا بعد أن امتصت جسده الغازات الكيماوية) يرتدي سترة زرقاء واسعة مهلهلة، مات مفتوح العين، لم أنظر لصورته كثيرا منذ حصلت عليها، فالصورة عابقة بذهني، وسأهديها دون بصقة أو لكمة لفقهاء الزمن الأغبر الذي يصبح فيه قصي وعدي شهيدين.

إن الذين قضوا في الأنفال وحلبجة مثالاً هم ضحايا، مثلما الذين ماتوا في عمليات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، لقد استهدفوا في حياتهم لكونهم ينتمون لهذه القومية أو ذلك الدين أو حتى الوطن، والضحايا لهم علينا حقوق أبسطها إن لم نأخذ بثأرهم فلا يجب أبدا أن نضفي صفات التقديس على المجرمين بحقهم.

كان البعض يتخوف من أن يصبح صدام وبن لادن وغيرهما «أبطالا» إن هما قتلا على يد قوات أجنبية لكن أحدا لم يتصور أبداً أن يصل الأمر ببعض رجال الدين لحد وصفهم لعدي وقصي بالشهداء. إن الضمير الجمعي لبعض الأمم قد يضفي صفة البطولة على سارقين وقتلة لأنهم استطاعوا الوقوف في وجه عدو مشترك، أو لأن البعض يصورهم بهذا الشكل، لكن الشهادة أمر آخر تماما.
إن الحرب العراقية الإيرانية مثالاً لم تكن حربا عادلة، وأجبر الكثيرون على الاشتراك فيها، تماما مثلما حرب الخليج الثانية، لقد سقط بعض الجنود العراقيين القتلى في صحراء الجزيرة أو الكويت، وكان بعض الجنود المسلمين والعرب المشاركين في قوات التحالف حريصين على دفنهم بالطريقة الإسلامية والصلاة عليهم، لقد تعاملوا معهم قبل قليل على أنهم قوات معادية لكنهم حاولوا معهم أحيانا ليسلموا أنفسهم، وعندما يموت بعضهم فإن الصلاة واجبة عليهم لأنهم أيضا ضمن ضحايا صدام، فهو الدافع بجيشه لمنازلة جيوش أكثر من ثلاثين دولة، ولكن هناك الكثيرين ممن دفنوا في الخنادق أو فنت أجسادهم في الصحراء لم يجدوا للأسف من يصلي عليهم، إنها الحرب بكل مثالبها، لا يمكن الدفاع عنها، فكيف عندما تكون الحرب مفتعلة وكيف عندما يكون القرار مبيتا بإلقاء الآلاف من الجنود العراقيين العائدين من حرب ايران والساخطين على النظام في أتون غزو بلا مبرر وحرب جديدة ضد ثلاثين دولة.. هؤلاء أيضا ضحايا فلم يكن أمامهم سوى التقدم تجاه الموت فالتراجع معناه الموت أيضا، مأساوية تفوق كلاسيكيات اليونان القديمة.
النقاش يجرنا لمصلح آخر قد يخص المواطنين العراقيين (كذا غيرهم من دول اشتبك معها النظام في علاقات تتراوح بين العداء والتعاون)، وهم المضارون من حكم صدام، فالكثيرون من العراقيين ممن لم يكن لهم نشاط معارض لنظام الحكم أضيروا من إجراءاته القمعية وقوانينه العرفية مما أثر على تمتعهم بأبسط حقوق الإنسان كما وتراجعت أوضاعهم المعيشية، كما أن الكثيرين تأثروا تأثرا بالغا بحروبه غير المبررة خاصة حرب المدن في نهاية الثمانينات التي طالت العمق العراقي، كذلك ندرج تحت لفظة المضارين العديد من مواطني دول أخرى غير العراق، تدخل النظام البائد لصدام حسين لإفساد ما يتمتعون به من حقوق يسيرة، وتآمر على معارضين بالتنسيق مع حكوماتهم، كما لم يسلم بعض غير العراقيين من إجراءاته القمعية نهاية الثمانينات والتي أبسطها حرمانهم من مستحقاتهم المالية وصولا لإلقاء العشرات منهم في بيارات البترول مع صمت حكوماتهم لسبب أو لآخر على هذه الجرائم.
أما الشهداء بأبسط الصور، هم الذين قالوا كلمة حق في وجه حاكم ظالم، فدفعوا أرواحهم ثمن قولهم رأيا أو تعبيرهم فعلاً عن معارضة للنظم التسلطية وقوى القمع، الشهيد من مات دون ماله أو عرضه أو دينه، فكيف مات عدي وقصي، من أين حصلوا على أموالهم، وآخرها ما سرقوه من المصرف المركزي العراق، هل سقطوا حقاً في مواجهة؟ ألم يلقيا حتفهما بعد هروب لشهور؟ هل يذكر أحد أن عدي اشترك بالفعل في حرب ايران، لقد فعل، قاد طائرة وأطلق صواريخه التي أصابت مدفعية عراقية واصدر قائد عسكري الأمر بعقاب الطيار بأشد عقوبة ممكنة، فلم يكن يعلم أن الطيار هو عدي يستعرض غباءه ليظهر أمام العراقيين بمن يضحي بابنه من أجل المعركة، ألفين سلام للمعركة التي استمرت ثمانية سنوات، واعتقد أن محمد (صلى الله عليه وسلم) رسول المسلمين، لم يحارب ثماني سنوات بمكة، وأنه آثر الهجرة باتباعه عندما وجد أن حياتهم تتعرض لمخاطر متصلة لم يكن الموت في المرتبة الأولى منها. ثم هل يتساوى الشهيد باقر الصدر مع المقبور حسين كامل، هل نضع سلام عادل وفهد مع قصي وعدي؟ هل نضع السيد باقر الصدر والسيدة نور الهدى مع قصي وعدي في سلة واحدة؟ هل تتساوى جمانة الضحية الآشورية مع المعتدي على إنسانيتها ومغتصبها والمخطط لقتلها؟